القصر الظاهري، وقد كان نائب الشام في الشهر الماضي أخرج رجال القلعة المستقرين، وأقام بها جماعة من ذويه، وكان بها لبيت المال نحو أربعمائة ألف درهم، فحازها واستخرج الأموال الديوانية، وتعجل من الذمة جزية العام الآتي، ونقل إلى القلعة من الغلال، والطعم، والقديد، والعدد، والآلات ما لا يوصف كثرة، ونصب عليها المجانيق ثم حلف الأمراء ثانياً وأعطاهم ووعدهم ومناهم.
ولما قدم عليه نائب طرابلس وجاءته مكاتبة منجك وانضم إليه أمراء الشام وتوثق لنفسه، جهز العساكر الشامية فخرجوا أرسالاً إلى جهة غزة ليحفظوا له ذلك الثغر من جهة المصريين، ثم خرج هو بمن بقي من الأمراء بعد صلاة الجمعة ثاني عشر رمضان، وخرج معه بالقضاة والموقعين، فوصلوا إلى قريب الصنمين. فلما كان الليل جاءهم الخبر أن بعض الأمراء خالفهم وأنهم اقتتلوا ونهبتهم العرب بقرب غزة، فكر راجعاً بمن معه ولحقهم منجك في أواخر النهار، فباتوا ليلتئذ، وأصبح نائب طرابلس وخلق من أمراء دمشق لا حس لهم ولا خبر، فخارت قوى نائب الشام وسقط في يده، وشرع أصحابه في التفرق عنه، فلما لاحت أمارات الكسرة وغشارات الخذلان، ولم يبق ممن كان معه ممن العمدة عليه سوى منجك وأسندمر وجبرائيل حاجبه، ومعهم دون المائتي نفس، وخرج المصريون في خدمة السلطان والخليفة المعتضد والعساكر فوصلوا إلى منزلة الكسوة في رابع عشرين رمضان، فتحصن إذ ذاك نائب دمشق ومن معه بالقلعة وغلقت أبواب البلد، وأشرف الناس على خطة صعبة وتأهبوا للحصار، وأصبح الأمراء يوم الخميس بدمشق لابسين آله الحرب، فقطعوا الأنهر الداخلة إلى القلعة، فقلق الناس لذلك وخافوا الهلكة، فلما كان من الغد وقت صلاة الجمعة فتحت أبواب البلد واستبشر الناس بذلك، وأصبح السلطان نزل المخيم ظاهر دمشق ومعه العساكر والأمير علاء الدين المارداني - الذي كان نائب حماة - بخلعة نيابة دمشق وهذه النيابة الثالثة، وشرعوا في مراسلة الأمير سيف