أما بعد: فإنَّ الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم والحقُّ قُلٌّ شريد، والإِسلام غريبٌ طريد، قد رَثَّ حبلُه، وقلّ أهلُه، فجمعهم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعلهم الأمة الباقية الوُسْطى، والله لا أبرح أقوم بأمر الله وأجاهد في سبيل الله حتى ينجز الله لنا ويفي لنا عهده، فيقتل من قُتل منَّا شهيداً في الجنة، ويبقى من بقي منا خليفة الله في أرضه ووارث عباده. قضى الله الحقَّ؛ فإن الله تعالى قال - وليس لقوله خُلْف -: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الاْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}(النور: ٥٥) والله لو منعوني عِقالاً ممّا كانوا يُعطون رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل معهم الشجر والمَدَر والجن والإِنس لجاهدتهم حتى تلحق روحي بالله إنَّ الله لم يفرِّق بين الصلاة والزكاة ثم جمعهما. فكبَّر عمر وقال: والله قد علمت - والله حين عزم الله لأبي بكر على قتالهم - أنَّه الحق. كذا في كنز العمال.
وأخرج ابن عساكر عن صالح بن كَيْسان قال: لما كانت الردّة قام أبو بكر رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:(الحمد لله الذي هدى فكفى، وأعطى فأغنى، إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم شريداً، والإِسلام غريباً (طريداً) ، قد رث حبلُه، وخَلَق عهدُه، وضلّ أهله عنه، ومَقَتَ الله أهل الكتاب فلم يعطهم خيراً لخير عندهم، ولا يصرف عنهم شراً لشر عندهم، وقد غيّروا كتابهم وألحقوا فيه ما ليس فيه، والعرب الأميون صِفْر من الله لا يعبدونه ولا يدعونه، أجهدُهم عيشاً، وأضلُّهم ديناً، في ظَلَف من الأرض، معه فئة الصحابة؛ فجمعهم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعلهم الأمة الوسطى، نصرهم بمن اتبعهم ونصرهم على غيرهم حتى قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم فركب منهم الشيطان مركبه الذي أنزله الله عنه، وأخذ بأيديهم وبغَى هُلْكهم/ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ