المرتبة الثالثة: مشقة واقعة بين المرتبتين، وضابطها هو أنه ما كان منها قريب من المرتبة الأولى يلحق بها، فيكون مؤثرا في التخفيف، وما كان منها قريب من المرتبة الثانية يلحق بها فلا يكون مؤثرا في التخفيف، وما توسط بينهما، فمثل هذا النوع لا ضابط له، فيرجع فيه إلى العرف.
٥ – تبين عند تقسيم المشاق، أن منها ما هو مانع من التكليف، كالمشقة الخارجة عن المعتاد، ومنها ما هو غير مانع من التكليف، كالمشقة الزائدة عن المعتادة، وهي المشقة الطبيعية التي يستطيع الإنسان تحملها دون إلحاق الضرر به.
٦ – في مباحث أسباب التخفيف التي تتخرج على قاعدة المشقة تجلب التيسير، تبين أن أسباب التخفيف التي هي – النسيان والجهل والمرض والسفر والعسر وعموم البلوى والإكراه .. الخ – تعالج ما يواجه المكلف من المشاق بإيجاد تخفيفات مقابلة لها بمعنى أن المشقة المرتبة عليها توجب التخفيف، ثم أن هذه التخفيفات مرعي بها مصالح من وجدت بهم الأعذار، أو يتوقع وجودها بهم.
والتخفيفات المترتبة على هذه الأسباب أكثرها تتناول حقوق الله تعالى لأنها مبنية على التسامع والرحمة والمغفرة، أما ما يتعلق بحقوق العباد فقد خفف في شأنها ما ينتفى فيه القصد فترتفع العقوبة البدنية، أما الأضرار اللاحقة بالغير فإنها مضمونة، لأن في إهمالها حرج على من وقعت عليه، فكل غلط أو نسيان أو خطأ أو سبق لسان أو التكلم مكرها أو جهلا بما لا يريده العبد وإنما يريد خلافه، لا مؤاخذة عليه، لأنه لو رتب عليه حكم لحرجت الأمة وأصابها غاية التعب، والمشقة مرفوعة عن هذه الأمة، فلا مؤاخذة بهذه الأشياء.
٧ – في مباحث العسر وعموم البلوى، تبين أن العسر، هو ما يقوم به الإنسان مع المشقة الزائدة عن المعتاد، وبذل كل الطاقة والمجهود.
وعموم البلوى، هو ما تمس الحاجة إليه في عموم الأحوال، وينتشر وقوعه بحيث يعسر الاستغناء عنه، ويعسر الاحتراز منه إلا بمشقة زائدة.
وفي المباحث المتعلقة بالعسر تبين ما يلي:
أ – في مبحث العسر والاستحسان: تبين أن أهم مقاصد هذا المبحث، هو تجنب الإيغال في طرد القياس الموقع في الحرج والمشقة، فجميع أنواع الاستحسان هادفة إلى التيسير والتخفيف، فهي مظهر من مظاهر رفع الحرج والمشقة ومعالجة لغلو اطراد القياس، كما جاء تعريفه عند بعضهم، بأنه طلب السهولة في الأحكام، فيما يبتلى فيه الخاص والعام، وقيل: أنه هو الأخذ بالسعة وابتغاء الدعة إلى غير ذلك.
ب – وفي مبحث العسر والمصالح المرسلة: تبين أن المصالح المرسلة مظهر من مظاهر التخفيف والتيسير على العباد، فهي مظهر لمرونة الشريعة الإسلامية، تحقيقا لمطالب الحياة ومناسبتها لكل مكان وزمان، إذ أن رفع المشقة عن الناس فيما لزمهم من أحكام يقتضي أن تكون تلك الأحكام دائرة مع مصالحهم ومقتضيات سعادتهم وإلا لما ارتفع العسر.
والآئمة يقولون بالاستصلاح، سواء كان ذلك باسم الاستصلاح أو الاجتهاد أو القياس أو الاستحسان أو العرف.
جـ - وفي مبحث العسر وسد الذرائع: في دراسة أنواع الذرائع يتبين أن الشريعة الإسلامية فتحت من الذرائع مقدار ما يرتفع معه العسر والضرر، فإذا زال العسر بقيت على سدها، لأن أصل سد الذرائع مجمع عليه.
فسد الذرائع دائما وفي كل الظروف والأحوال يكون سببا لوقوع المشقة للأمة.
د – وفي مبحث العسر والعرف: تبين أن العرف يرجع إليه كثير من الأحكام الشرعية، ونزع الناس عما ألفوه واعتادوا عليه وتلقته طباعهم السليمة بالقبول، عسر وحرج شديد وعليه ينبغي للمفتي أن يتعرف على أعراف الناس وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم فما وجده في العرف الذي لا يتعارض مع نصوص الشريعة اعتبره، وما أسقط أسقطه.