٨ - يعتبر الإمام علي بن المديني من كبار المصنفين في علوم الحديث , وكان له إنتاج علمي وفير بلغت مصنفاته نحو مائتي مصنف, وحاز فضل السبق في تأليف كثير من مباحث علوم الحديث بيد أن معظم هذه الكتب لم يكتب لها البقاء
٩ - يعتبر الإمام علي بن المديني من الأفذاذ القلائل الذين كانوا يتمتعون بدراية واسعة وإحاطة كبيرة بأحوال الرواة وأخبارهم المختلفة من حين ولادتهم حتى وفاتهم وما بينهما من تفاصيل أحوالهم ودقائق أخبارهم مما يدل على رسوخ قدمه في مجال النقد وأن حكمه على الرواة مبني على دراسة متينة وترو ثابت , وأن هذا الحكم بعيد كل البعد عن المجازفة , والتخرص , وعدم الدقة.
وقد انعقد الإجماع على إمامته في فن نقد الرجال وبراعته في هذا الشأن، وحظي باعتراف العلماء له بالفضل والتقدم في هذا الميدان , إذ يوجد له كلام جرحاً وتعديلاً في أكثر الرواة , يضم إليه – في كثرة الكلام في الرواة – الأئمة يحي بن معين , وأحمد بن حنبل , وأبو حاتم الرازي وأشباههم.
١٠ - احتل الإمام علي بن المديني مكانة عالية ومنزلة مرموقة بين علماء عصره ومن أتوا بعدهم إذ قد حاز قصب السبق في معرفة الحديث وعلله , وفن علل الحديث من أدق فنون الحديث وأعواصها لم يسبر غوره إلا الجهابذة من النقاد وفي مقدمتهم الإمام علي بن المديني رحمه الله.
١١ - وفيما يتعلق بمنهجه النقدي فقد كان فيه منهجاً علمياً دقيقاً وفق أسس وقواعد مرسومة ومسالك عديدة تعتمد عليها الدراسة. فمن هذه القواعد:
- تركه رواية مرتكبي الكبيره.
- عدم مؤاخذته الراوي بالخطأ اليسير.
- مؤاخذته بالخطأ الشديد والغلط الفاحش.
- تحرزه الشديد في نقد الرجال.
ومن المسالك التي سار عليها في نقده إتباع منهج المعارضة, ومنهج اختبار الرواة.
١٢ - يتميز منهجه النقدي هذا بالاعتدال والبعد عن التشديد والتعنت ,ويتميز أيضاً بالدقة والأمانة والنزاهة العلمية, والتثبت اللازم قبل الحكم , وغير ذلك من مميزات منهجه في النقد وقد بسطت القول في هذا في الفصل الثاني من الباب الثاني.
١٣ - التحقيق في ظاهرة اختلاف الحكم على الرواة إذ أثر عنه نقول مختلفة وأحكام متباينة , ويمكن إرجاع هذه الظاهرة بعد دراستها إلى أحد الأمور التالية:
اختلاف الحكم على الراوي , أو يكون أحد هذه الألفاظ المختلفة غير مراد , أو لبيان مدلول بعض الألفاظ , وقد يكون هذا الاختلاف في الظاهر وفي حقيقة الأمر وواقعة ليس هناك تعارض ولا اختلاف
١٤ - وفي مجال دراسة مدلول بعض ألفاظ النقد عند علي بن المديني تبين لي- بعد دراسة وتتبع-أن مدلول معظم ألفاظ النقد عنده موافق لما اصطلح عليه المتأخرون , ومع ذلك فقد يجب الانتباه – جيداً – إلى مصطلحات هؤلاء النقاد الأقدمين إذ قد يكون لبعض هذه الألفاظ مفهوم خاص عندهم كما في مصطلح لا باس به يعني به ابن المديني وكذلك ابن معين أن الراوي المتصف بهذا المصطلح في مرتبة الثقة وإن كانوا يريدون به ثقة دون ثقة لأن الثقة عندهم درجات.
وهذا المفهوم من هذا المصطلح مخالف لما اصطلح عليه المتأخرون إذا يعدون الراوي المتصف بهذا المصطلح في مرتبة الصدوق الذي يكتب حديثه وينظر فيه – والله أعلم –
١٥ - وبعد هذه الدراسة لألفاظ النقد عند ابن المديني تمكنت من تصنيف الرواة عنده إلى ثلاث مراتب:
أ -مرتبة الاحتجاج.
ب -مرتبة الاعتبار.
ج- مرتبة التبرك.
وكل مرتبة من هذه المراتب تحتوي على مجموعة من ألفاظ النقد.
ومما يحسن التنويه به هنا أن النقاد الذين صنفوا الرواة في مراتب تأثروا أي تأثر في تصنيفهم للرواة بمنهج الإمام علي بن المديني في ذلك ومنهج أقرانه ومن يبقهم من أئمة الجرح والتعديل – والله أعلم -