وهذا بلا شك يتنافى مع معتقد أهل السنة والجماعة، فمن معتقدهم أن الله تعالى خالق كل شيء ومن ذلك أفعال العباد، وأنه لا يجب عليه شيء إلا ما أوجبه على نفسه بإيجابه هو، وأن الثواب والعقاب على الحسن والقبيح موقوف على الشارع.
١١ - يرى المعتزلة في أصل (الوعد والوعيد) أنه يجب على الله تعالى أن يفعل ما وعد به وما توعد عليه، فيجب عليه إثابة المطيع ومعاقبة العاصي، وإلا لزم الخلف والكذب في وعده ووعيده، ولزم منه فساد التدبير.
وهذا مخالف لما يعتقده أهل السنة والجماعة، فهم يعتقدون أنه يجب على الله تعالى أن يفي بما وعد به، لا على أنه من باب الاستحقاق والمعاوضة، وإنما لكونه سبحانه صادقاً لا يكذب في وعده.
ويعتقدون أن عدم معاقبة العاصي لا يعدُّ خلفاً في الوعيد، وإنما هو تكرم وتفضل وإحسان.
١٢ - حقيقة (المنزلة بين المنزلتين) عند المعتزلة: أن مرتكب الكبيرة لا يستحق أن يطلق عليه اسم الإيمان والإسلام، لأن في إطلاق ذلك عليه تشريفاً له، وهو ليس أهلاً لهذا التشريف بسبب إعراضه وعصيانه، ولا يستحق أيضاً أن يطلق عليه اسم الكفر والنفاق، لأن أحكام الكفار والمنافقين لا تجري عليه، وإذا انتفى عليه اسم الإيمان والإسلام، واسم الكفر والنفاق، استحق أن يسمى فاسقاً.
ولا يختلف أهل السنة مع المعتزلة في تسمية مرتكب الكبيرة فاسقاً، ولكنهم يختلفون معهم في القول بتخليده مع الكفار في النار، لأن معتقد أهل السنة والجماعة أن الفاسق لا يخرج بفسقه من الإسلام ولا يخلّد في النار، وإنما حكمه إلى الله تعالى إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ثم يخرجه من النار إلى الجنة.
١٣ - المعروف عند المعتزلة على قسمين: واجب، ومندوب. فالأمر بالواجب واجب، وبالمندوب مندوب، وأما المنكر فكله عندهم من باب واحد في أنه يجب النهي عن جميعه عند استكمال شروط الأمر والنهي.
وهذا صحيح، لأن المندوب ليس بواجب أصلاً حتى يجب الأمر به.
١٤ - يجب عند المعتزلة معالجة المنكر بالتدرج من الأسهل إلى الأصعب، ولا يجوز العكس. وهذا مخالف لأمره صلى الله عليه وسلم في تغيير المنكر الذي يدل على البدء بالأشد ثم ما دونه.
١٥ - لأصول المعتزلة الخمسة العقيدة أثرها الكبير على آرائهم الأصولية، وبخاصة العدل والتوحيد.
١٦ - يرى المعتزلة أن العقول لا يجوز أن تتفاوت بأصل الفطرة، وإنما تتفاوت بالعوارض، وهذا لا يعتد به.
والصحيح أن العقول تتفاوت بأصل الخلقة، بدليل أن الله تبارك وتعالى جعل شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف عقل المرأة بالنقصان.
١٧ - العقل عند المعتزلة يدرك في الأشياء الحسن والقبح، ويرتب على ذلك الثواب والعقاب دون حاجة إلى الشرع.
والصحيح أن العقل يقوى على إدراك الحسن والقبح في الأشياء، وأما الثواب والعقاب على ذلك فهما موقوفان على ورود الشرع.
١٨ - العقل عند المعتزلة يدرك وجوب شكر المنعم تعالى قبل مجيء الشرع، ومن لم يشكر فإنه آثم.
والحق في ذلك أن العقل السليم يدرك أن الله تعالى هو صاحب الفضل والإنعام على جميع العباد، فيكون مستوجباً للشكر وللمحامد كلها، إلا أن ذلك الإدراك لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب قبل ورود الشرع.
١٩ - الحق عند أهل السنة والجماعة أن أوامر الله تبارك وتعالى لا تخلوا من مصالح، إلا أنها على سبيل التفضيل والإنعام، لا على سبيل الإيجاب والإلزام.
٢٠ - يرى المعتزلة أن الأمر بالأشياء على طريق التخيير يفيد وجوب جميعها، لتساويها في وجه الوجوب.
والراجح أنه لا يفيد وجوب جميعها، بل يفيد وجوب واحد منها لا بعينه، ويتعين بفعل المكلف.