٢١ - يرى المعتزلة عدم جواز أن يكون المحرم أحد أمرين لا بعينه، فإذا ورد النهي متعلقاً بأشياء على جهة التخيير، اقتضى المنع من الكل، بحجة أن كل واحد منهما إذا قبح، فجميعه قبح لا محالة.
والراجح أنه يجوز ورود النهي متعلقاً بأشياء على وجه التخيير، ويقتضي حينئذ تحريم واحد لا بعينه، ويتعين باختيار المكلف، وليس في ذلك ما يقبح، فالرجل يقبح في حقه الجمع بين الأختين في عقد واحد، لكن لا يقبح في حقه العقد على إحداهما.
٢٢ - يرى الكعبي أن المباح مأمور به شرعاً، وهو وسيلة لترك المحرم، وترك المحرم واجب، فما أدى إليه يكون واجباً.
والراجح في ذلك: أن المباح ليس بواجب شرعاً لكونه مأذوناً فيه ومخيراً بين فعله وتركه من غير إشعار بثواب على الفعل، أو عقاب على الترك، ولو كان واجباً لعوقب على تركه.
٢٣ - لا تصح نسبة القول إلى القاضي عبدالجبار بأن امتثال الأمر لا يدل على إجزاء المأمور به، بل إنه صرح في كتابه (المغني) بأن امتثال الأمر يدل على إجزاء المأمور به.
٢٤ - يرى أبو هاشم أن كف النفس عن المنهي عنه ليس بفعل، مع صرف النظر عن التلبيس بضد من أضداده، لأن تارك الزنا يمدح عند العقلاء على ذلك وإن لم يخطر بباله فعل الضد.
والراجح في ذلك: أن الكف فعل، فيكون التكليف في المنهي عنه تكليفاً بفعل يكون ضد المنهي عنه وهو الامتناع.
٢٥ - يرى المعتزلة أن المكره الملجأ لا يدخل تحت التكليف، لأنه غير مختار لما يفعل، فهو محمول على ما أقدم عليه، والمحمول على الشيء لا يثاب.
والراجح في ذلك: أن الإكراه على الأقوال يكون عذراً في إسقاط الإثم ورفع التكليف.
أما الإكراه على الأفعال، فإن بلغ درجة كون المُكرَه كالآلة في يد المُكرِه، فإن هذا الإكراه مسقط التكليف، لكونه مسقطاً للرضا ومفقداً للقدرة والاختيار.
وإن لم يبلغ هذه الدرجة، وإنما وقف عند حدود التهديد والوعيد، فإنه لا يكون مسقطاً للتكليف، لكونه لم يفقد إلا الرضا فقط مع وجود القدرة والاختيار.
٢٦ - يرى المعتزلة أن الفعل الحادث في حال حدوثه ليس مأموراً به.
وهذا يعني أن الأمر لا بد أن يتوجه قبل المباشرة، ولا فرق عندهم بين أن يكون المأمور متمكناً من الفعل من حين الأمر إلى وقت الفعل أو غير متمكن من حين الأمر.
والراجح في ذلك: أن التكليف بالفعل كما يكون متوجهاً قبل المباشرة، فإنه يكون متوجهاً حال المباشرة أيضاً، لأن المكلف كما صرح السلف مستطيع قبل الفعل وحين الفعل.
٢٧ - يرى أبو علي بن خلاد أن التعبد بالتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يكون في العبادات فقط، لأن ما سوى العبادات يكون له فيها مصلحة من دوننا، فلا يجب علينا التأسي به فيها.
والحق في ذلك: أن الأصل في جميع أفعاله صلى الله عليه وسلم التعبد باتباعها والتقرب إلى الله عز وجل بالتأسي بها من قبل الأمة إلا ما نهض الدليل على بيان الخصوصية فيه، لكونه عليه الصلاة والسلام لا يفعل إلا الأكمل والأفضل والأرضى لله تبارك وتعالى، لاستشعاره أنه مشرع لأمته.
٢٨ - يرى أبو علي الجبائي أن الخبر لا يقبل إذا كان راويه واحداً، أما إذا رواه اثنان عدلان عن اثنين، فإنه يجب العمل به.
والراجح في ذلك: أن خبر الواحد إذا انفرد العدل بروايته وجب قبوله والعمل به، لأنه يسعنا ما وسع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، حيث عملوا بخبر الواحد العدل، ولم يشترطوا التعدد لقبوله والعمل بمقتضاه.
٢٩ - يرى النظام أن الإجماع ليس حجة شرعية متبعة، لجواز وقوع الخطأ من الأمة، ومن يجوز عليهم وقوع الخطأ لا يكون إجماعهم حجة.