والحق في ذلك: أن الإجماع حجة شرعية متبعة، إذ الشارع الحكيم قد شهد لهذه الأمة بالعصمة من الضلال، فيكون ما اتفقت عليه كلمتهم حجة قاطعة لأنه حق والحق أحق أن يتبع.
٣٠ - يرى عبد الله البصري أنه لا يجوز إثبات الإجماع بخبر الواحد، بحجة أن الإجماع أصل مقطوع به، وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن، فلا يجوز إثبات القطعي بالظني.
والراجح في ذلك: أنه يجوز إثبات الإجماع بخبر الواحد، ويكون حينئذ ظناً يجب العمل به، لأنه إذا ثبت وجوب العمل بخبر الواحد فلا فرق بين أن يرد بحصول إجماع يتضمن حكماً من الأحكام، وبين أن يرد بحصول قول من جهة الرسول عليه الصلاة والسلام يفيد حكماً، من حيث وجوب الأخذ بذلك الحكم ووجوب العمل بمقتضى هذا الخبر.
٣١ - يرى النظام وبعض المعتزلة البغداديين أن القياس ليس حجة شرعية، بدليل أن الشارع فرق بين المتفقين وجمع بين المفرقين، وهذه طريقة يمتنع القياس بها.
والحق في ذلك: أن القياس حجة شرعية متبعة، وذلك لإجماع المسلمين سلفاً وخلفاً على العمل به في الجملة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون الأربعة، وغيرهم من فقهاء الصحابة وأئمة التابعين وأتباعهم، مما لا يدع مجالاً بإنكار حجيته في بناء الأحكام الشرعية الاجتهادية.
٣٢ - يرى أبو الهذيل العلاف أن القياس لا يسمى ديناً، بحجة أن اسم الدين لا يقع إلا على ما هو ثابت مستمر، وكيف يسمى القياس ديناً وهو من فعل القائس؟
والحق في ذلك: أن القياس من الدين لورود الأمر الشرعي بالتعبد به، وانعقاد الإجماع في الجملة على العمل بمقتضاه، وكل ما كان مأموراً به شرعاً ومجمعاً عليه من قبل الأمة، فهو من الدين.
٣٣ - يرى أبو هاشم أنه لا يجوز إثبات الحكم في شيء بالقياس إلا وقد ورد النص بإثباته فيه على الجملة، فيكون القياس دالاً على تفصيل الحكم، فلو لم يكن إرث الأخ ثابتاً في الجملة، لما جاز إثبات إرثه مع الجد بالقياس.
والراجح في ذلك: جواز القياس على الأصل وإن لم ينص على القياس عليه وذلك لأن الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم كانوا يستعملون القياس في مسائل كثيرة وإن لم يكن عليه نص في الجملة، وعملهم هو الحجة في إثبات القياس.
٣٤ - يرى المعتزلة أن العلة مؤثرة بنفسها، بمعنى أنها الموجب للحكم بذاتها، بناء على جلب مصلحة، أو دفع مفسدة.
والحق في ذلك: أن العلة لا تؤثر بنفسها في الأحكام، وإنما المؤثر الحقيقي فيها هو الشارع الحكيم وحده، بدليل أن قبول ورود الشرع، لم تكن هذه العلل مؤثرة بنفسها، فالإسكار قبل تحريم الشارع للخمر، لم يكن علة موجبة للتحريم ولا لإقامة الحد على الشارب والسرقة قبل تحريمها شرعاً لم تكن موجبة للقطع، وكذلك لم يكن الزنا قبل تحريمه شرعاً موجباً للرجم أو الجلد، وهكذا.
٣٥ - النسخ في اللغة يطلق بإزاء معنيين، هما الإزالة والنقل.
إلا أنه حقيقة في الإزالة لأنها تقتضي تغيير الحكم الأول عما كان عليه، ومجاز في النقل لأنه يبقى الأول على ما كان عليه دون أي تغيير.
٣٦ - النسخ عند المتقدمين يختلف عنه عند المتأخرين.
فهو عند المتقدمين يطلق عليه تقييد المطلق، وتخصيص العام، وبيان المجمل، كما يطلقونه على رفع الحكم الشرعي المتقدم بدليل شرعي متأخر.
٣٧ - لا يصح تعريف النسخ اصطلاحاً بالبيان، إذ لا يلزم من كل بيان أن يكون نسخاً.
٣٨ - لا يصح تعريف النسخ اصطلاحاً بالإزالة لأن النسخ حقيقة في الرفع.
٣٩ - التعريف الراجح للنسخ في اصطلاح المتأخرين هو: رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم، بخطاب متراخ عنه.
وذلك لأنه أقل التعريفات مطعناً.
٤٠ - يرى أبو مسلم الأصبهاني أنه لا يحسن نسخ الشرائع شرعاً، بحجة أنه يفضي إلى البداء وهو الجهل.