للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحق في ذلك: أن النسخ جائز عقلاً وواقع شرعاً، ولا مانع من نسخ الشرائع بعضها ببعض، فقد حصل إجماع المسلمين سلفاً وخلفاً على أن شريعتنا المطهرة ناسخة لجميع الشرائع السماوية السابقة، وأجمعوا على وقوع النسخ في كثير من أحكام الشريعة الإسلامية.

٤١ - يرى المعتزلة أنه يمتنع نسخ وجوب معرفة الله تعالى، وشكر المنعم، ونسخ تحريم الكفر والظلم والكذب، لأن الأفعال لها صفات نفسية تقتضي حسنها وقبحها، فلا يمكن نسخها.

وهذا صحيح، لأن شريعة أحكم الحاكمين الصادرة ممن لا يأمر بالفحشاء، تأبى أن تأمر بالظلم والكفر والكذب، وأن تنهى عن العدل والشكر والصدق، بل العقل السليم لا يتصور وقوع ذلك فيها أبداً، فهي شريعة محكمة جاءت من لدن حكيم خبير لا يتعارض فيها نقل صريح مع عقل صحيح.

٤٢ - يرى المعتزلة أنه لا يجوز نسخ العبادة قبل التمكن من فعلها، لما يترتب على ذلك من الأمر بما لا فائدة فيه وهو عبث.

والحق في ذلك: جواز نسخ العبادة قبل التمكن من فعلها، إذ لا يلزم منه العبث لكون المصلحة متحققة وهي الابتلاء والاختبار.

٤٣ - لا يصح ما نقله أكثر الأصوليين عن المعتزلة أنهم يرون عدم جواز نسخ التلاوة دون الحكم والعكس.

وتحقيق القول في ذلك: أن جمهور المعتزلة يرون جواز ذلك، ولم يخالف منهم إلا النزر اليسير وصفوا بأنهم شواذ.

٤٤ - يرى المعتزلة أنه يشترط في الأمر إرادة الآمر امتثال المأمور للمأمور به، بحجة أن الأمر لا يتميز عما ليس بأمر إلا بالإرادة.

والصحيح في ذلك: أن الأمر يتميز بالصيغة الموضوعية له في أصل اللغة وهي الدالة على الرتبة والاستعلاء.

٤٥ - يرى المعتزلة أنه لا يجوز أن يأمر الله تعالى المكلف بما يعلم أنه لا يمكن منه أو لا يفعله، وذلك لاستحالة وقوع الفعل منه، فيكون التكليف بذلك قبيحاً.

والحق في ذلك الجواز لأنه تكليف مفيد تظهر فائدته في عزم المكلف على الامتثال فيطيع ويثاب، أو الامتناع فيعصي ويستحق العقاب.

٤٦ - يرى المعتزلة أن المأمور لا يجوز أن يكون معدوماً، إذ من شرط الأمر عندهم وجود المأمور.

والحق في ذلك: جواز توجه الأمر للمعدوم لتقدير وجوده على الصفة التي يصح معها التكليف، لثبوت ذلك بالنص والإجماع.

فنحن مأمورون بما أمر به الصحابة الموجودون زمن الخطاب، مع أننا كنا معدومين حين ذاك، إذ لو لم نكن مأمورين بما أمروا به لعدم وجودنا زمن الخطاب، للزم أن يبعث الله تعالى إلينا رسولاً آخر يبلغنا أمره، وهذا محال بالإجماع لثبوت أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم.

٤٧ - يرى بعض المعتزلة أنه لا يجوز ورود الأمر بالعبادة قبل مجيء وقتها، لأن في ذلك إعلاماً للمكلف بالبقاء حتى وقت دخول تلك العبادة وهذا إغراء له بالمعاصي فيتنافى مع الحكمة.

والراجح في ذلك: جواز ورود الأمر بالعبادة قبل مجيء وقتها، إذ لا ضرر في ذلك على المكلف بقدر ما فيه من مصلحة له، بحيث يوطن نفسه ويهيؤها لمباشرة العبادة إذا حان وقتها.

٤٨ - يرى المعتزلة أنه لا يجوز تأبيد الأمر إلى غير غاية، بحجة أن إدامة التكليف يفضي إلى جعل المكلف ملجأ إلى فعل ما كلف به وذلك يزيل التكليف.

والصحيح في ذلك: جواز تأبيد الأمر إلى غير غاية، لأن الأصل في أوامر الله تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم وجوب امتثال المكلف لها أبداً ما دام حياً قادراً.

٤٩ - يرى قدماء مشايخ المعتزلة أن الأمر بالشيء ليس نهياً عن ضده، لأنه القول بأن الأمر بالشيء نهي عن ضده، يفضي إلى أن يسمى الأمر نهياً عن الحقيقة، وهذا باطل.

والراجح في ذلك: أن الأمر بالشيء نهي عن ضده بطريق المعنى لا بطريق الصيغة، بمعنى أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده.

<<  <  ج: ص:  >  >>