للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٠ - يرى أبو هاشم أن الفعل ذا الوجهين لا يصح أن يتعلق به النهي، وإلا لزم من ذلك أن يكون الشيء الواحد مأموراً منهياً، وذلك محال.

والراجح في ذلك: عدم استحالة انقسام النوع الواحد من الأفعال إلى واجب وحرام، بحيث يكون مأموراً به من وجه ومنهي عنه من وجه آخر وذلك لأن الجهة منفكة بين مورد الأمر والنهي، فلا يؤدي إلى التناقض والتضاد.

٥١ - يرى جمهور المعتزلة أن النهي لا يقتضي فساد المنهي عنه مطلقاً لا في العبادات ولا في المعاملات، بحجة أن لفظ النهي لغوي وفساد العبادة شرعي، فلا يجوز أن يكون موضوعاً له.

والراجح في ذلك: أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه في العبادات والمعاملات على السواء، لأن كل ما نهى الله عنه وحرمه في بعض الأحوال وأباحه في حال أخرى إنما كان لمصلحة فيما أباحه أولاً ولمفسدة فيما حرمه ثانياً، وإلا فإن الحرام لا يكون صحيحاً نافذاً كالحلال بحيث يترتب عليه الحكم كما يترتب على الحلال ويحصل به المقصود كما يحصل به.

٥٢ - يرى أبو علي الجبائي أن الجمع المنكر يحمل على الاستغراق من جهة الحكمة، لأن حمله على ذلك حمل له على جميع حقائقه، فكان أولى من حمله على البعض.

والراجح في ذلك: أن الجمع المنكر يحمل على أقل الجمع، لأن الجمع المنكر لا يتبادر منه الاستغراق عند الإطلاق.

٥٣ - يرى بعض المعتزلة أنه لا يجوز أن يسمع الله تعالى المكلف الخطاب العام المخصوص دون أن يسمعه الدليل المخصص، لأنه لو جاز ذلك لكان إغراء للمكلف بالجهر باعتقاد استغراقه، وهذا قبيح.

والراجح في ذلك: جواز إسماع الله تعالى المكلف الخطاب العام المخصوص دون إسماعه المخصص، وذلك لأن كثيراً من نصوص القرآن الكريم قد وردت عامة في لفظها، وتأخر بيان خصوصها عن موردها فترة من الزمن.

٥٤ - يرى أبو علي وأبو هاشم أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن متعبداً بالاجتهاد في شيء من الشرعيات، لأن الله تعالى نفى عن رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينطق بالهوى، فكان ما ينطق به وحياً منزلاً.

والراجح: جواز تعبد النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد في الحوادث التي لم يرد بها نص، لأنه إن كان المانعون من ذلك قد منعوه خشية أن يجتهد صلى الله عليه وسلم فيخطئ، فليس الخطأ في الاجتهاد من الخطأ الذي يتنزه عنه منصب النبوة حتى يقال بعدم جواز تعبده بذلك.

وإن كان منعهم من ذلك حرصاً على حماية مصالح المكلف وصوناً له من الوقوع في المفسدة، فإن ذلك مردود بأن اجتهاده صلى الله عليه وسلم بعناية الله تبارك وتعالى عن الخطأ والزلل.

٥٥ - يرى موسى بن عمران أنه يجوز أن يفوض الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم أو للعالم الحكم بما شاء، لأنه إذا جاز أن يفوض الله المكلف بأن يختار واحدة من خصال الكفارة، جاز أن يفوض إليه الحكم بواحد من الأحكام بحسب اختياره.

والراجح في ذلك: أنه لا يجوز أن يفوض الله سبحانه وتعالى المكلف بأن يحكم بما شاء ويختار ما يريد، لأنه يلزم على هذا التفويض إبطال التعبد بالاجتهاد والتقليد، ويفضي إلى أن يستوي العامي بالعالم.

ولا يصح قياس هذه المسألة على الواجب المخير، فإن الخصال المشتمل عليها الواجب المخير لا تفويض فيها إذ الحكم محدد، وهو مأمور بأن يختار ما شاء مما حدده الشارع. وأما التفويض فمعناه أن تترك الحرية للمكلف بإنشاء ما أراد من الأحكام.

٥٦ - يرى بشر المريسي وكثير من معتزلة بغداد أن المخطئ في اجتهاده آثم، وذلك لأن الحق ممكن التدارك، إذ نصب الله تعالى عليه دليلاً يعرف به فمن أخطأ فليس بمعذور.

<<  <  ج: ص:  >  >>