للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحق في ذلك: أن الإثم مرفوع عن المجتهد المخطأ إذا اجتهد في أحكام الفروع التي ليس عليها دليل قاطع من نص أو إجماع، وأنه مأجور على اجتهاده لما بذله من جهد واستفراغ وسع، لثبوت ذلك بنصوص الكتاب والسنة.

٥٧ - يرى أبو بكر الأصم أن قضاء القاضي ينقض بالاجتهاد، لأن على الحق دليلاً فمن أخطأه تجاوز الحق إلى الباطل فينقض حكمه.

والراجح في ذلك عدم جواز نقض قضاء القاضي بالاجتهاد، لأن جواز النقض يؤدي إلى عدم استقرار الأحكام القضائية، فيفضي إلى أن يفقد الناس ثقتهم بالقضاة، فتفوت مصلحة نصب الحاكم.

٥٨ - يرى بعض المعتزلة أنه يجوز للمجتهد الاكتفاء بترجيح مذهب على مذهب من غير تمسك بما يستقل دليلاً، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يكتفون في تفاوضهم بمسالك الترجيحات دون أن يمهدوا أدلة مستقلة، وهم الأسوة في ذلك.

والحق في ذلك عدم جواز الترجيح بلا دليل، وإلا لأصبح ضرباً من ضروب الهوى والتشهي، ولو كان الترجيح جائزاً بلا دليل لكان للعامي دخل كبير في مسائل الاجتهاد.

٥٩ - يرى المعتزلة البغداديون أنه لا يجوز للعامي تقليد المجتهد في فروع الشريعة بل يجب عليه النظر وطلب الدليل، لأن العامي لا يأمن أن يكون من قلده لم ينصح في الاجتهاد فيكون فاعلاً لمفسدة.

والحق في ذلك: أنه يجب على العامي تقليد المجتهد في فروع الشريعة، وذلك لعجزه وعدم تمكنه من معرفة الحكم بدليله، إذ أنه فاقد لأهلية الاجتهاد، وفاقد الشيء كيف يعطيه؟ ولأنه لو كلف العامي بالاشتغال بمسائل الاجتهاد لتعطلت سبل الحياة التي هي قوام الناس.

٦٠ - يرى القاضي عبد الجبار أنه لا يجوز أن يختار المكلف الأخف من فتوى المجتهدين المتساوين، لأن الشريعة قد دلت على أن الحق في الأشد دون الأخف.

والراجح في ذلك: أن المقلد مخير بأخذ ما شاء من أقوال المجتهدين عند التساوي في الأمور المعتبرة، وذلك لأن إلزامه بالأخذ بالقول الأشد لا دليل عليه، بل قد قام الدليل على خلاف ذلك، حيث صح عنه صلى الله عليه وسلم- وهو الأتقى والأخشى لله تعالى- أنه كان يختار أيسر الأمرين ما لم يكن إثماً.

وبعد: فلا أدعي كمالاً فيما كتبت ولكن حسبي من ذلك ما بذلته من جهد لم أدخر فيه وسعاً، فإن كان صواباً فمن الله وله الحمد والمنة، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله تعالى مما زل به القلم أو أخطأ به اللسان.

وأسأل الله تعالى أن يجزل المثوبة للمشرف على هذا البحث فضيلة الدكتور الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله الدرويش على ما أولانيه من رعاية واهتمام وإرشاد وتوجيه حتى استطعت بتوفيق الله تعالى تخطي العقبات وتجاوز العثرات.

كما أتوجه بالشكر الجزيل لكل من أعانني على هذا البحث بإعارتي ما أحتاج إليه من مراجع ومصادر.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.

.........

<<  <  ج: ص:  >  >>