وصدور بعض ألفاظ الذم منهم في حق أناس بعينهم يعطيه بعض الرواة حجماً أكبر ليصير ذلك بعد فترة من الزمن نصاً شرعياً. ويضاف إلى هذه الظاهرة – وهي ظهور روايات ضد مخالفي السلطة الأموية أو غيرهم – الحديث الموضوع المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم:(المرجئة والقدرية والروافض والخوارج يسلب منهم ربع التوحيد، فيلقون الله عز وجل كفاراً خالدين مخلدين في النار). رواه ابن الجوزي في الموضوعات، وفيه محمد بن يحيى بن رزين قال: حدثنا أبو عباد الزاهد، قال ابن الجوزي:"هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن حبان: محمد بن يحيى بن رزين دجال يضع الحديث لا يحل ذكره إلا بالقدح فيه. قال: وأبو عباد لا يحل الاحتجاج به". [ابن الجوزي "الموضوعات" ١/ ٢٠٥ في ذم المرجئة والقدرية والروافض والخوارج]. ويقاس على هذا الأمر ما يوجد من الروايات في حق التيارات التي خاضت غمار الصراع السياسي في أدوار التاريخ المتقدمة. ويشمل الأمر الأمويين أنفسهم، فقد وضعت فيهم وفي غيرهم من الذين كانوا يحكمون بمنطق السيف روايات لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، كان ذلك المنطق المتعسف سبباً لاختلاقها. وهذا شأن جميع الفرق المنتسبة إلى الإسلام، اللهم إلا الذين أطلق عليهم الخوارج، فقد كانوا أبعد الناس عن الكذب على عامة البشر فكيف بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا أمر يشهد به الكل ويعترف به الجميع وتقره الدراسات.
ومن أبسط الأمثلة عليه وأقربها قول ابن تيمية – وقد تقدم – في حق الذين سموا بالخوارج:"لا يعرف فيهم من يكذب"، وقوله:"ليسوا ممن يتعمدون الكذب، بل هم معروفون بالصدق حتى يقال إن حديثهم من أصح الحديث".
وختاماً ألفت انتباه القارئ إلى أن يمعن النظر في هذه القضية ويكون على حذر من أغراض كثير من الرواة، كما أعطف عنايته إلى موضوع هذا الكتاب ليكون محل تأمل وموضع وقفة متأنية تستجلي من خلالها الحقيقة، من أجل خدمة الهدف المشترك بين أبناء هذه الملة الحنيفية وهذا الدين الناصع.
أسأل الله عز وجل أن يأخذ بأيدينا جميعاً إلى ما يحبه ويرضاه، وصلى الله على رسوله الكريم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين