للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تفرعت من الطريقة العلوية طرق كثيرة انتشرت في حضرموت وفي بعض بلدان العالم الإسلامي: كالعيدروسية، والحدادية، والعطاسية وغيرها.

كما وجدت بعض الطرق الصوفية بحضرموت، كالعبادية، والعمودية لها ارتباط بالطريقة العلوية في كثير من طقوسها وأهدافها.

٩ - وجد في حضرموت بعض الصوفية الغلاة الذين اعتنقوا فكرة وحدة الوجود وسطروا ذلك في مؤلفاتهم، منهم: عبد الله العيدروس، وابنه أبو بكر، وأبو بكر بن سالم العلوي، وعبد القادر العيدروس، وأحمد باعشن، وهناك بعض المتصوفة لهم إشارات وعبارة توحي بالقول بهذا العقيدة، ويرجع السبب في ذلك إلى التعمق في التصوف بالإطلاع على كتب الغلاة كابن عربي، والحلاج، وابن الفارض، بل قد قام بعضهم بشرح تلك الكتب، كما فعل أبو بكر العيدروس، وأحمد باعشن.

١٠ - واتضح من خلال البحث أن الصوفية تتواجد بكثرة بمدينة تريم منذ نشأتها إلى اليوم، إذ تعتبر القاعدة التي بث منها المتصوفة أفكارهم المنحرفة إلى بقية مناطق حضرموت، ثم بقية بلاد اليمن, ثم إلى البلدان الأخرى خارج اليمن: كالهند، وأندونيسيا، وماليزيا، وسنغافورة، وبلدان شرق أفريقيا.

وأما ما يتعلق بأصول صوفية حضرموت العقدية وآثارها والجهود المبذولة في مقاومتها فيتضح فيما يلي:

عند دراسة عقائد صوفية حضرموت اتضح لي أن القوم بنوا اعتقاداتهم على القصص والحكايات، ومسائلة مشايخهم ونحو ذلك، فهم ليسوا كغيرهم من الفرق الذين كتبوا مؤلفات مستقلة في بيان اعتقادهم، فهذا أمر قليل عند صوفية حضرموت، وإنما تجد تقرير عقائدها مندرجاً في التراجم، وكتب المناقب والكرامات، وكتب التاريخ، وفي الأشعار والحضرات، وكتب الأوراد والأذكار ونحوها.

وتبين أن صوفية حضرموت اتخذت مصادر للتلقي تختلف عن المصادر التي اعتمدها أهل السنة والجماعة؛ فاتضح انحراف صوفية حضرموت في ذلك وتلقيها من غير الكتاب والسنة، وأما نصوص الكتاب والسنة فقد أولوها وفوضوها؛ بل وفسروها بتفاسير باطنية أبعدتها عن معانيها المرادة.

واعتمد القوم الكشف والرؤى والمنامات في تلقي أمور دنيهم؛ بل ادعوا التلقي من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته، وكذا من الخضر عليه السلام، ومن مشايخهم الأموات.

وأما التوحيد فقد انحرفوا في جميع أنواعه الثلاثة، ففي توحيد الربوبية: اعتقدوا أن مشايخهم وأولياءهم أقطاب وأغواث يتصرفون في الكون، ويملكون صفات وأفعال الرب تعالى من علم الغيب، والإحياء، والإماتة، والتصرف بالدنيا والآخرة وغير ذلك.

ومن انحرافهم في الربوبية أيضاً: قول كبار مشايخهم بعقيدة وحدة الوجود, وهي الاعتقاد أن الوجود واحد وليس هناك خالق ومخلوق – تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً – وهذه العقيدة نسف لدين الإسلام من أساسه.

وفي توحيد الأسماء والصفات مع قول كبار مشايخهم بوحدة الوجود وجعل صفات الرب للمخلوق فأنهم كذلك اتبعوا منهج المتكلمين – الأشاعرة – وسلكوا طريقهم في هذا الباب، فقالوا بإثبات بعض الصفات دون بعض، وقالوا بالتأويل والتفويض البدعيين في صفات الله تعالى، ونفوا كثير من صفات المولى سبحانه كصفة العلو، والاستواء، والنزول، والكلام. وقالوا في الرؤية أنه تعالى يرى لا في جهة، كما أنكروا صفة الوجه، واليدين، والقدم، والصفات الفعلية – الاختيارية – لله تعالى، كالرحمة، والغضب، والرضا، وقد ذكرت نصوصهم في ذلك ورددت عليها بالأدلة الشرعية وأقوال أهل العلم.

وأنكرت صوفية حضرموت أن يكون القرآن كلام الله تعالى، وقالوا: هو عبارة عن كلام الله؛ لأن كلامه تعالى – بزعمهم – معنى واحد، قديم أزلي، ليس له تعلق بمشية الله وقدرته، ليس بحرف وصوت، وإنما هو كلام نفسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>