وتبين أن الإيمان عند صوفية حضرموت مجرد التصديق، فمن أتى بالتصديق عندهم وترك العمل فهو مؤمن عندهم، فهم على مذهب المرجئة في هذا الباب.
وأغفلت صوفية حضرموت توحيد الألوهية فلم يعرفوا معنى هذا التوحيد الذي بعثت به الرسل، ولم يعرف القوم كذلك أول واجب على المكلف، ولا معنى العبادة التي أمر بها العباد، فقادهم ذلك للوقوع في الشرك الأكبر وطلبهم من الأولياء والشيوخ الأموات قضاء الحاجات، ودعاءهم، والاستغاثة بهم، وجعلهم شفعاء عند الله، وكذا توسلوا بهم لعدم معرفتهم بالتوسل المشروع فتوسلوا بذات الشخص وبجاهه، فالتوسل بذات الشخص معناه: جعله واسطة بين الله وبين خلقه، وحرفوا هذه المصطلحات الشرعية ليسوغوا شركياتهم وبدعهم.
كما انحرفت صوفية حضرموت في عدم معرفة نواقض التوحيد, فوقعوا في الشرك, وصححوا شركيات مشايخهم وأوليائهم، وزعموا أن ذلك ليس بشرك, وإنما هم واسطة بينهم وبين الله لا يريدون منهم سوى أن يقربوهم إلى الله تعالى؛ لمنزلتهم الرفيعة عند الله تعالى، فشابهوا في زعمهم هذا قول المشركين تماماً في ذلك، وينطبق عليهم قول الله تعالى:{والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه مختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار}[الزمر: ٣].
وفي النبوة: انحرفت صوفية حضرموت في هذا الركن الذي يعد الركن الرابع من أركان الإيمان، حيث رفعوا منزلة مشايخهم وأوليائهم إلى مرتبة النبوة، واعتقدوا أن إلهام الولي كالوحي للنبي، وقالوا بعصمة الأولياء، بل وفضلوا علوم أوليائهم على علوم الأنبياء.
واضطربوا في النبوة كذلك، فقال بعضهم بأقوال الفلاسفة من أن النبوة تكتسب بالرياضات والمجاهدات ونحو ذلك، ولم يعبأوا بنصوص الوحي, وإنما اعتمدوا مصادر المكاشفات والأذواق والمنامات ونحوها.
وغلا القوم في شخص النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا بالحقيقة المحمدية، وأنه أول مخلوق، وأن الوجود خلق من نوره صلى الله عليه وسلم، واعتقدوا حياته صلى الله عليه وسلم في قبره كحياته في الدنيا، وتصرفه بالخروج إليهم، ومحادثتهم، والتلقي عنه، كما اعتقدوا تجزؤ جسد النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقدوا إحاطة علمه بالأولين والآخرين، وأنه مرسل إلى جميع الملائكة والنبيين ونحو ذلك من مظاهر الغلو التي نهى عنها الشرع.
وفي القدر: انحرفت صوفية حضرموت في باب القدر الذي يعتبر الركن السادس من أركان الإيمان التي يجب الإيمان بها، فتناقضت فيه حيث قررت أن أولياءها يخلقون فعل أنفسهم؛ بل ويتصرفون في الكون كله ومن فيه – كما هي عقيدة القطبية – نجدها في المقابل اعتمدت عقيدة الجبرية، وسموها كسباً تبعاً للمذهب الأشعري، فنفت وجود قدرة للعبد مؤثرة في الفعل، كما نفت الأسباب أن تكون أسباباً، ونفت الحكمة والتعليل في أفعال الله، وقالت بقول المتكلمين في التحسين والتقبيح، وكذا انحرفت في مفهوم التوكل الصحيح حيث دعت لترك الأسباب، وادعت أنهم بترك الدنيا تسخر لهم الأكوان.
كما ادعى القوم معرفة ما في اللوح المحفوظ، وتصرفهم فيه كيف شاءوا.