ورغم تلك الآثار السيئة التي خلفتها الصوفية في بلاد حضرموت وغيرها من البلدان التي وجدت بها إلا أن هناك من قام بمحاربة هذه الآثار السيئة على تلك البلدان، ومن أوائل أولئك أهل حضرموت أنفسهم، فقد وجد بها علماء من العلويين وغيرهم قاموا بمحاربة التصوف بوسائل مختلفة، كما بينا ذلك في مبحث الجهود ضد هذه الطائفة الدخيلة على أرض حضرموت، وتمثلت تلك الجهود بأمور كثيرة، منها: التأليف، والتحذير، والمقاومة لتلك الأعمال بقدر المستطاع، وكذا شاركهم إخوانهم من بلاد اليمن وخارجها، كما كان لبعض الولاة وبعض القبائل جهود مشكورة في نصرة الحق ومحاربة الباطل وأعوانه، واستمر هذا العطاء والبذل من أهل العقيدة الصحيحة إلى يومنا هذا، فقد وجد أهل العلم الذين يدرسون العقيدة الصحيحة، وأنشئت المراكز العلمية لتدريس دين الله تعالى، وانتشر دعاة الحق في بلاد حضرموت، وقام بعض أهل العلم بالرد على مخالفات صوفية حضرموت بالكتب والنشرات، والأشرطة الصوتية، وعبر مواقع الإنترنت وغيرها من الوسائل، فنفع الله تعالى بتلك الجهود حتى عاد الكثير من الناس إلى الحق بعد أن بقوا في شرك التصوف مدة طويلة.
كما تبين من خلال هذا البحث خوف أهل الباطل من الحق وأهله، حيث أدرك متأخرو صوفية حضرموت وأتباعهم الباطل الذي هم عليه ومضى عليه سلفهم، فاضطروا لحذف كثير من الانحرافات التي احتوتها كتب سلفهم؛ كما فعل محمد بن أحمد الشاطري في المشروع الروي حيث حذف كثيراً من خرافاته لأنها – بزعمه – لا تناسب العصر، وكما يفعله هذه الأيام أبو بكر بن علي المشهور في كثير من كتبه من تخريج العبارات الشركية لسلفه.
وكذا اتضح لي من خلال البحث في مؤلفات القوم في هذا الزمان خوفهم من ذكر أسمائهم على مؤلفاتهم وخاصة ما تعلق بالعقيدة، حيث يضعون عليها الأسماء المستعارة ثم ينكشف أمرهم بذكر هذه المؤلفات في كتبهم الأخرى، وقد ذكرنا أمثلة على ذلك في ثنايا هذا البحث، وهذا يبين إدراك القوم خطر ما هم عليه من الباطل وخوفهم من الحق وأهله.
كما يتضح من خلال البحث استعمال متصوفة حضرموت العبارات البراقة – التي تخفي تحتها السموم –،مثل تسمية أنفسهم بدعاة الوسطية والاعتدال، ومحاربة الغلو والتطرف، ودعاة منهج أهل البيت المظلوم في هذا الزمان، وغيرها من العبارات؛ التي تهدف لاستمالة قلوب العوام والجهلة بمذهبهم المنحرف.
إن ما يذكرونه عن مشايخهم وصالحيهم من الكفر والضلال وإقرار المنكرات، إما أن يكون: كذباً عليهم ويلزم الأتباع التبرئة ممن قاله، أو افتري على مشايخهم، وإلا فإنهم مقرون بالباطل، ثم إن هذه ليست بكرامة؛ لأن الوقوع في الباطل أو إقراره ليست كرامة، إنما هي إهانة وضلال، ودليل على عدم اهتداء فاعل ذلك للحق والهدى، فأنت ترى أهل السنة موفقون في أقوالهم وأفعالهم، وإن جهل حال بعضهم فأقوالهم وأفعالهم الحميدة تدل على سلوكهم طريق الهداية، ولكل نصيب من ولاية الله تعالى كل بحسبه؛ فإن الولي هو المؤمن التقي، والله المستعان.
وتبين أن الصوفية في القرنين الرابع والخامس عشر أقل تأليفاً عن سابقيهم، لقلة البضاعة والضعف العلمي، والجمود على بدع وضلالات سابقيهم، والتمسك بها دون الحيدة عنها، بالإضافة إلى الانشغال بالدنيا، وإن تكلموا فيرددون الشبه القديمة التي مضى عليها أسلافهم، كما استغل بعضهم مسألة النسب لنشر باطلهم ودعوة الناس إليه.