١ـ إذا تزاحمت مصلحه مع مصلحه ولا يمكن الجمع بينهما فالواجب على المجتهد اختيار الأصلح منهما من جهة قدر ثواب المصلحة ومن جهة صلاحها للمكلف.
٢ـ إذا تزاحمت مفسدة مع مفسدة وجب درء المفسدة العظيمة بارتكاب المفسدة الدنيا من جانب عظم الإثم ومن جانب المفسدة على المكلف، وشيخ الإسلام يرى أن المفسدة الدنيا عند ارتكابها تسمى مصلحه حيث أنها الأصلح للمكلف بتركها المفسدة الأشد، وهذا يسمى بفتح الذرائع.
٣ـ أما إذا ازدحمت مصلحه مع مفسدة فالواجب الموازنة بين المصلحة والمفسدة فإن كانت المصلحة أفضل من جهة ثوابها وصلاحها للمكلف وجب اختيارها وإهمال المفسدة الناتجة عنها وهذا ما يسمى أيضا بفتح الذرائع، بل ذكر شيخ الإسلام: أن الأمر إذا حرم سدا للذريعة وعارضته مصلحه راجحة فإنه يباح للمصلحة الراجحة.
٤ـ أما إذا كانت راجحة على المصلحة من جانب الإثم ومن جانب أثرها على المكلف فالواجب إهمال المصلحة وسد ذريعة المفسدة.
١٢ـ ظهر لي أن شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – لا يرى التساوي بين المصلحة والمفسدة تساويا لا يمكن فيه ترجيح بعضها على بعض، فهو يرى أن المجتهد ينبغي عليه النظر إلى المصالح والمفاسد من حيث الثواب والعقاب وصلاحية ذلك للمكلف، فإذا دقق النظر في هذين الطريقين مع سعة علمه بالشرع وعلمه بمقاصده، فإنه لا بد أن يظهر له ترجيح المصلحة على المفسدة؛ أو المفسدة على المصلحة.
١٣ـ يرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن الفعل الذي يمنع سدا للذريعة يباح للمصلحة الراجحة.
١٤ـ ظهر لي أن شيخ الإسلام ابن تيمية هو أكثر العلماء توضيحا وتأصيلا لقاعدة سد الذرائع على من أتى بعده.
١٥ـ ظهر لي خطأ بعض الباحثين الذين وضعوا أقساما للذريعة عند الإمام الشاطبي وإن ما ذكروه في الحقيقة هي أقسام للفعل المأذون فيه المؤدي إلى ضرر.
٣ـ نتائج الباب الثالث.
١ـ أن سد الذرائع داخل تحت اعتبار المصلحة حيث إن كل مسألة تمنع سدا للذريعة نكون بذلك أعملنا المصلحة. فالعمل بسد الذرائع يفضي إلى المحافظة على المصالح حيث إننا إذا أغفلنا الباب أمام كل مفسدة نكون بذلك فتحنا الباب للمصلحة وأعملناها. فلذلك نجد أن الأمثلة التي تضرب للمصلحة، وسد الذرائع متقاربة إن لم تكن متطابقة.
٢ـ أن مجال سد الذرائع أعم وأشمل عند تطبيقه من المصالح المرسلة؛ حيث إن سد الذرائع داخل في العبادات والمعاملات، أما المصلحة المرسلة فإنها عامة في المعاملات وقاصرة على الأسباب والشروط والموانع في العبادات.
٣ـ إن كل فعل تسد فيه الذريعة يكون فيه مصلحة وليس كل مصلحة يكون فيها سد الذرائع.
٤ـ إن من أقر العمل بالاحتياط يلزمه العمل بسد الذرائع، وذلك لقوة العلاقة بين القاعدتين.
٥ـ فرق شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – بين ما لا يتم الوجوب إلا به وما لا يتم الواجب إلا به، فإن ما لا يتم الوجوب إلا به ليس بواجب، حيث إن الواجب لا يتحقق على المكلف إلا بوجود الشروط والأسباب وتحصيل الشروط والأسباب ليس واجبا على المكلف، أما إذا تحقق الوجوب باكتمال الأسباب والشروط للمكلف فإن الفعل يصبح واجبا، وكل ما يلزم لتحقيق هذا الواجب يكون واجبا وهذا الضابط الذي خرج به شيخ الإسلام ابن تيمية وإن خالف فيه البعض.
ثالثا التوصيات.
١ـ عمل دراسة علمية مفضلة وشاملة عن موقف الأحناف والشافعية من قاعدة سد الذرائع وتكون الدراسة مستوعبة ومفصلة وممحصة لكل ما ذكروه في ذلك لأهميته.
٢ـ عمل دراسة علمية عن المقاصد عند شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث أنه أولاها اهتماما واسعا في فقهه بل إن كثيرا من تقريراته، واختياراته كانت النظرة فيها منصبة على الشارع.
٣ـ تبني الجامعات والمراكز العلمية عمل دراسات علمية عن الأصول التي لم تبحث عند شيخ الإسلام ابن تيمية، وذلك لأهميته العلمية، ولاختياراته التي ينفرد بها أحيانا عن كثير من العلماء ولبسطه الموسع للمسائل والأصول التي يبحثها مما يحتاج إلى جمع ومقارنة مع رأي غيره من سائر العلماء حتى يبرز فقه هذا العالم الفذ، ويظهر علمه واختياراته بشكل موسع. والله أعلم
وفي الختام أختم بحثي بالحمد لله كما بدأته ببسم الله، فهذا جهد المقل أقدمه، فما كان فيه من صواب فمن الله وهو المحمود على توفيقه، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله منه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.