للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثا: إن الزواج الفاسد والباطل يفترقان في إثبات النسب، حيث تبين لي أن الفاسد يثبت فيه النسب في معظم صوره، وأن الباطل لا يثبت فيه النسب.

والفقهاء وإن كانون لم يفرقوا بين الفاسد والباطل في كثير من أبواب الفقه إلا أنهم في هذه المسألة جعلوا للفاسد حكما يختلف فيه عن النكاح الباطل من حيث إلحاق النسب بالأول، وعدم إلحاقه بالثاني، بناء على أن الفاسد من العقود مشروع بأصله، لا بوصفه ومن هنا أخذوا بالاحتياط في النسب فأثبتوه به، لأن النسب عندهم يلحق بأدنى سبب ولو كان الزواج فاسدا وأن الباطل غير مشروع لا بأصله ولا بوصفه، فلم يجدوا منفذا لإلحاق النسب به، وأن هذا لا يخالف ما درج عليه الفقهاء من الاحتياط في الأنساب وإلحاقها بمن ادعاها ولو بأدنى سبب، لأن هذا الأدنى غير متوفر في حالة بطلان العقد.

رابعا: أن النسب يثبت بالقيافة وهي علم صحيح يمكن القضاء به في الفصل بين المدعين في قضايا النسب في أحوال خاصة، وهو علم تصدق نتائجه بنسبة كبيرة.

ومن هنا أريد أن أوجه نداء لكل باحث مسلم يهمه أمر دينه أن يتصدى لمثل هذا البحث فلعله يفيد المسلمين.

خامسا: أن التعارض في دعاوي النسب مختلفة عن التعارض في غيره، وذلك لأن الحقوق الأخرى تصح القسمة في معظمها والقسمة أحد الطرق لفض النزاع.

أما في النسب فإنه لا يصح أن ينتسب إلى أبوين، فإن القسمة في النسب غير متصورة إطلاقا، ومن هنا رجحت إلحاق الولد بأب واحد معين، وحاولت أن لا يكون توقف في إلحاق نسب الولد مهما وجد لذلك سبيل، تمشيا مع قاعدة الاحتياط في إثبات النسب وعدم إضاعته.

سادسا: بحثت التلقيح الصناعي وما تفرع منه وبينت جوانبه وصوره وتوصلت إلى أن الراجح فيها المنع والتحريم، وأنه لا يصح إلحاق النسب الناتج عن طفل الأنبوب أو التلقيح الصناعي أو شتل الجنين، ورددت على المجيزين، وبينت أن أصل سد الذرائع هو الفيصل في هذه المسألة، وذلك لفساد الذمم وعدم الاكتراث بالسيئ من الأعمال والتصرفات، وما يترتب عليه من كشف العورة المغلظة بالنسبة للزوجين، واحتمال تبديل النطف وما يترتب على ذلك من اختلاط الأنساب والتشكيك فيها، إلى غير ذلك من الأضرار الخلقية والخلقية، التي من أجلها حرم الإسلام الزنى، وبينت أن القول بجواز مثل هذه الأحوال قد يوقع المسلمين فيما لا تحمد عقباه.

سابعا: أن نفي النسب بطرقه المشروعة التي حددها الإسلام كاللعان مثلا، لم يكن القصد منه خلق العنصر الغريب في المجتمع، بل أراد الإسلام أن يبين أنه بقدر ما يحرص على جمع شمل الأسرة يحرص على أن لا يتفشى في المجتمع الفساد، ولا يدخل في الأسرة من ليس منها، كما أن في نفي الولد في حالة الضرورة قطعا لدابر الشك، ومنعا للجريمة بالقدر المستطاع.

ثامنا: ومن النتائج الجزئية التي توصلت إليها في هذا البحث:

- أن الإقرار يختلف عن التبني وأن شروط الإقرار التي وضعها الفقهاء كفيلة بحماية الأسرة من الدخيل، وليس في هذا تعارض كما يدعي الآخرون بأن الإقرار والتبني شيء واحد.

- أن القرعة ليست وسيلة أو سببا من أسباب ثبوت النسب وإنما هي اقتراع على كفالة الولد حتى يبلغ، كما ذهب إليه بعض الفقهاء - ليست سببا مستقلا لإثباته لكن عند التعارض تكون مرجحة.

- أن الإسلام احترم الآدمي أيما احترام وكرمه أيما تكريم عندما أوجب على الإنسان أن يستلحق ولد الأمة التي وطئها، حيث رجحت لحوق ولد الأمة بمجرد وطء السيد دون توقف على ادعائه، لأن في ذلك فتحا لباب من الفساد كبير وهو كثرة العبيد أو اللقطاء في المجتمع، وهو ما يتعارض مع روح الشريعة الإسلامية.

<<  <  ج: ص:  >  >>