ثالثاً: كما تكره الصلاة جماعة بعد صلاة الإمام الراتب تكره قبله, ولا كراهة في هذه الحالة في صلاة الإمام الراتب، وقد أوصل بعضهم الصلاة جماعة قبل صلاة الإمام إلى درجة الحرمة. قال الشيخ القاسمي في "إصلاح المساجد ص٧٨ - ٧٩": "يوجد في كثير من الجوامع الكبيرة أناس يفتاتون على الإمام الراتب؛ أي: يتقدمون بالصلاة جماعة عليه، قبل أن تقام له، فيختزلون من الجامع ناحية، يؤمون بها أناساً على شاكلتهم؛ رغبة في العجلة، أو حباً في الانفراد للشهرة. وقد اتفقت الحنابلة والمالكية على تحريم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب. قالت الحنابلة: إلا بإذنه، وإلا فلا تصح صلاته؛ كما في "الإقناع" و "شرحه" وقالت المالكية: كره إقامتها قبل الراتب، وحرم معه، ووجب الخروج عن إقامتها للراتب كما في "أقرب المسالك"، وكره ذلك الشافعية، وأفتى ابن حجر بمنعه بتاتاً، وصرح الإمام الماوردي من الشافعية بتحريم ذلك في مسجد له إمام راتب، وكره ذلك الحنفية، ولا يخفى أن ما ينشأ عن بعض هذا الافتئات من المفاسد يقضي بتحريمه؛ لأنه يؤدي إلى التباغض والتشاجر وتفريق كلمة المسلمين، والتشيع والتحزب في العبادة".
رابعاً: كراهة صلاة الجماعة مرة ثانية في مسجد له إمام راتب لا تنافي حصول فضل الجماعة لمن جمع مع الإمام الراتب [بلغة السالك ١/ ١٥٩].
خامساً: للمتخلفين عن الجماعة الأولى مع الإمام الراتب أن يخرجوا إلى موضع، فيجمعوا فيه، وهذا ما فعله ابن مسعود رضي الله عنه. ولهم أن يصلوا فرادى، ولا كراهة في ذلك، ولهم أجر الجماعة؛ كما جاء في الحديث الصحيح السابق [الأم ١/ ١٨٠ - ١٨١]. وقيل: إن دخلوا المسجد؛ صلوا فيه فرادى، وإن لم يدخلوا؛ طلبوا الجماعة. ويؤيده أثر ابن مسعود وقول الحسن البصري، فتأملهما. ففي "الفتاوى السراجية": "رجل انتهى إلى المسجد وقد فرغ الإمام، فإن دخل المسجد؛ صلى فيه، وإن لم يدخل؛ طلب الجماعة"[الفتاوى السراجية ق٢٨/ب].
سادساً: صلاة المتخلف عن الجماعة في بيته جماعة خير من صلاته في المسجد منفرداً؛ لأثر ابن مسعود، وصلاته في المسجد منفرداً خير من صلاته في بيته منفرداً؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:((أفضل صلاة المرء في بيته؛ إلا المكتوبة)).
سابعاً: للمتخلف دون تعود أو تعمد إن اتفق له رجلاً يتصدق عليه أن يصلي معه جماعة، ولا خلاف في مشروعية ذلك، وهذه هي الصورة المنصوص عليها في حديث أبي سعيد الخدري:((ألا رجل يتصدق على هذا)). قال ابن الرفعة:"وقد اتفق الكل على أن من رأى شخصاً يصلي منفرداً لم يلحق الجماعة، فيستحب أن يصلي معه، وإن كان قد صلى في جماعة"[نيل الأوطار ٣/ ١٨٥].
فهذه الصورة مشروعة، ولو تكررت أكثر من مرة؛ بالقيود التالية:
أولا: أن تكون صلاة مفترض بمتنفل.
ثانياً: أن تقع موافقة من غير بحث وفتش، وإن كانت الموافقة بتنبيه الغير لذلك.
ثالثاً: أن يتحقق فيها قوله صلى الله عليه وسلم: ((ألا رجل))، فلا تشرع بأكثر من واحد.
رابعاً: لا يشترط في هذه الحالة إذن الإمام الراتب؛ لإذن الإمام الأول صلى الله عليه وسلم بها. أفاد ذلك كله شيخنا الألباني حفظه الله تعالى. وقد ورد حديث بإسناد رجاله ثقات خلا عبدالرحمن بن زياد الإفريقي في الترهيب من تعمد التأخير عن الصلاة الأولى، أخرجه: أبو داود في "السنن""٥٩٣"، وابن ماجه في "السنن""٩٧٠"، والبيهقي في "السنن الكبرى""٣/ ١٢٨"؛ عن عبدالله بن عمرو:((ثلاثة لا يقبل الله منهم ... ورجل أتى الصلاة دباراً)). قال الخطابي في "معالم السنن""١/ ١٧٠": "قوله: ((أتى الصلاة دباراً))؛ فهو أن يكون قد اتخذه عادة، حتى يكون حضوره الصلاة بعد فراغ الناس وانصرافهم عنها".