ثامناً: ليس للإمام إعادة الصلاة مرتين، وجعل الثانية عن فائتة أو غيرها، والأئمة متفقون على أنه بدعة مكروهة، ذكره الشيخ تقي الدين [المبدع ٢/ ٤٧].
تاسعاً: لو قامت أكثر من جماعة بعد جماعة الإمام الراتب في آن واحد؛ فإن الكراهة تشتد؛ لأن الفرقة فيها ظاهرة. أفاده شيخنا الألباني.
عاشراً: إقامة صلاة العصر أو العشاء في وقتها حال الجمع بين الصلاتين في الحضر جماعة لا يدخل في باب الكراهة البتة، فتنبه.
حادي عشر: لا كراهة في تكرار الجماعات في مسجد الطرقات التي لا إمام ولا مؤذن راتب فيها.
ثاني عشر: ذكر العلامة الشيخ رحمة الله السندهي تلميذ المحقق ابن همام في رسالة له: "إن ما يفعله أهل الحرمين من الصلاة بأئمة متعددة بجماعات مترتبة مكروه اتفاقاً". ونقل عن بعض المشايخ إنكاره صريحاً حين حضر الموسم بمكة سنة "٥٥١هـ"؛ منهم: الشريف الغزنوي، وذكر أنه أفتى بعض المالكية بعدم جواز ذلك على مذهب العلماء الأربعة، ونقل إنكار ذلك أيضاً عن جماعة من الحنفية والشافعية والمالكية حضروا الموسم سنة ٥٥١هـ[بذل المجهود ٤/ ١٧٨].
وقد بين الزركشي رحمه الله تعالى سبب تكرار الجماعات في مكة وغيرها، فقال في كتابه "إعلام الساجد بأحكام المساجد" "ص٣٦٦" ما نصه: "تكرير الجماعة في المسجد الواحد خلف إمامين فأكثر – كما هو الآن بمكة وجامع دمشق – لم يكن في الصدر الأول، والسبب في حدوثها بالمسجد الحرام: أنه كان الإمام في ذلك الوقت مبتدعاً، ولم يكن الأمراء بمكة في ذلك الوقت يحملون الناس على مذاهب أنفسهم، فعندما امتنع الناس من إقامة الجماعة مع إمامهم الذي أقاموه؛ فسحوا للناس في اتخاذ الأئمة لأنفسهم، واستمر الأمر عليه، وكذا جرى مثله في بيت المقدس وجامع مصر قديما".
ثالث عشر: ولا تجوز صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة، إذ من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة: أن الله تعالى لم يفرض على عباده صلاتي فريضة في وقت واحد، فمن كان في مكان فيه مسجد تقام فيه الجمعة؛ يجب عليه أن يصليها مع الجماعة، إلا إذا كان يعتقد أن صلاة الجمعة فيه باطلة شرعاً؛ وحينئذ لا يجوز له أن يصليها؛ لأنه شروع في عبادة باطلة غير مشروعة في اعتقاده – وإن كان مخطئاً - وهو عصيان الله تعالى. وإذا عصى وصلاها معتقداً بطلانها؛ تبقى صلاة الظهر متعلقة بذمته؛ فعليه أن يصليها، وليس له أن يقيم له مع غيره جماعة أخرى؛ لأنه تفريق بين هؤلاء وبين إخوانهم المسلمين الذين أقاموا الجمعة قبلهم. وأما إذا صلاها معتقداً صحتها؛ فلا يجوز له أن يصلي بعدها ظهراً؛ لا منفرداً ولا جماعة؛ لأنه يكون بهذا مخالفاً للمعلوم من الدين بالضرورة، وهو قطعي بظن بعض الفقهاء!! ولم ينقل إلينا أن أحداً من الصحابة أو علماء السلف المجتهدين صلى الظهر بعد الجمعة، وقد جاء الشافعي بغداد، وفيها عدة مساجد، ولم ينقل أنه كان يصلي الظهر بعد الجمعة، ولو فعل؛ لم يكن فعله شرعاً يتبع. ولا يتوهمن الذين يصلون الظهر بعد الجمعة أن الخطب في ذلك سهل؛ لأنه زيادة في الخير الذي هو الصلاة؛ فإن فيه خطراً عظيماً؛ من حيث إنه شرع عبادة لم يأذن بها الله، والشارع هو الله وحده، فمن أحدث في الشرع شيئاً؛ فقد جعل نفسه شريكاً لله في ألوهيته أو ربوبيته، ومن وافقه؛ فقد اتخذه شريكاً؛ كما قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى: ٢١]. وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى اتخاذ أهل الكتاب أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله بـ ((أنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً؛ استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً؛ حرموه)). وهم ما كانوا يضعون تلك الأحكام إلا بمثل الشبهات التي حدثت بها البدع الدينية في الإسلام؛ من حيث إنها زيادة في الخير أو العبادة.
فيا أيها المسلمون! لا تغلوا في دينكم، وإن لكم في الفرائض والمندوبات الثابتة في الكتاب والسنة بالنص الصريح غنية عن سواها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأعرابي الذي حلف أنه لا يزيد عن المكتوبات الخمس وسائر الفرائض من أركان الإسلام ولا ينقص: ((أفلح إن صدق))، و ((دخل الجنة إن صدق)).
ويا ليت السواد الأعظم من المسلمين يأتون جميع الفرائض القطعية، ويتركون المحرمات، وفي النوافل المشروعة ما يستغرق العمر.
وقد انتهيت إلى ما أردت ذكره في هذا الكتاب، وبلغت كنه ما اعتمدته من تفصيل الأبواب، وعرضته في معرض البراعة، وجلوته في حلل النصاعة، ووافق شن طبقة، وصادف الإثمد الحدقة. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم ما طلع الفجر، وزخر بحر، ودار فلك، وسبح ملك، واختلف الجديدان، واعتقب الملوان، والله ولي الإحسان، والمتفضل بالامتنان. وكتب مشهور حسن سلمان في يوم السبت السابع من رمضان سنة ١٤٠٦هـ ثم نظرت فيه وزدت عليه في مجالس متفرقة في رمضان آخرها في الثاني عشر منه سنة ١٤١٢هـ.