للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هكذا يرسم لنا الإسلام طريق الاستفادة من هذه النعم ويوضح لنا معالم الحلال والحرام في الأطعمة ويحذرنا من طريقي الإفراط والتفريط فيها اللذين قد سلك كل طريق منهما طائفة من ضلال البشر وبين لنا أنه لم يحرم علينا شيئاً إلا لأنه ضار خبيث فهو حرم الميتة لأنها مستقذرة تعافها النفوس وكذلك هي ضارة لما فيها من انحباس الرطوبات والدم المتعفن الذي لا يخرج إلا بالتذكية الشرعية وحرم علينا الدم المسفوح لما يشتمل عليه من الميكروبات الضارة والمواد المتعفنة وهو يغذي تغذية خبيثة تخرج المتغذي به عن طبيعة الاعتدال.

وحرم علينا لحم الخنزير ذلك الحيوان القذر الخبيث الذي ينبت لحمه في الغالب من القاذورات والأنجاس التي يتغذى بها – كما ينشأ عن التغذي به الإصابة بالأمراض الخطرة لما في لحمه من أسباب المرض التي يثبتها الطب وتدل عليها التجربة وقال الله تعالى عنه: (فإنه رجس) أي نجس فهو نجس العين خبيث المطعم.

وحرم الله ما أهل به لغير الله مما ذبح للأصنام من الأحجار والأشجار والقبور تقرباً إليها أو ذبح للأكل وذكر عليه غير اسمه وسماه فسقاً: (أو فسقاً أهل لغير الله به) وقال (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) أي معصية والفسق الخروج عن طاعة الله وذلك يؤثر في الذبيحة خبثاً ينتشر أثره على الأكل فيؤثر في سلوكه وأخلاقه.

وحرم لحوم السباع من الطير والبهائم لأن أكلها يكسب الأكل أخلاقاً عدوانية كأخلاق تلك السباع فتستحيل طباع البشر إلى طباع سباع ضارية شأنها الفتك والعدوان والظلم.

وبالجملة حرم الله كل خبيث من حيوان أو نبات {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} وحرم كل ضار بالبدن أو العقل: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}. {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وأباح كل ما هو مفيد لا ضرر فيه من الحيوانات والنباتات {كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً}.

إننا من خلال هذا كله نلمس كمال هدي الإسلام ومنهجه في الأطعمة كما هو شأنه في جميع مجالات الحياة مما جعله دينا قيماً صالحاً لكل زمان ومكان يتسع لدخول البشرية كلها فيه في أي وقت وفي أية بقعة.

إنه الدين الذي اختاره الله خاتماً لشرائعه السماوية يحمل كل مقومات البشرية ويسعى بها دائماً نحو الصلاح والفلاح: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.

ثم إن الإسلام يحسب للضروريات حسابها ويشرع لها أحكاماً مناسبة فيقول الباري جل وعلا بعد أن يذكر تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ويقول: {إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}.

ويقول: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فيبيح سبحانه للمضطر من المحرم قدر ما يرفع ضرورته – فالإسلام يساير الإنسان في جميع أحواله في العسر واليسر في السراء والضراء في السعة والضيق: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}. {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.

فهو الدين الصالح لكل زمان ومكان ولكل حال من الأحوال لأنه تشريع من حكيم حميد يعلم ما يصلح للبشر. ثم هو تشريع من غفور رحيم يريد أن يخفف عن عباده ولا يريد أن يعنتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>