ما تحتاجه الشعوب الإسلامية هو: أن لا تعود الشعوب ١٤٠٠ سنة إلى الإسلام، بل هو تقديم الإسلام ١٤٠٠ سنة إلى الشعوب الإسلامية وغيرها في عصرها الحاضر بكل مشكلاته ومستحدثاته، وإيجاد حلول عصرية خلاقة لمشكلاتهم ومسائلهم. وسأعطي مثالين بسيطين على العودة والتقدم إلى الإسلام: تعامل بعضنا بزكاة الفطر والأضحية (ذبح أنعام في الحج). فهناك من يتشدد ويصر (أي يخطئ غيره إذا أخرج نقدا) على إخراج زكاة الفطر طعاماً كما ورد في الأحاديث النبوية الصحيحة، أي إخراج صاع من بر أو شعير أو تمر أو أقط أو زبيب (مع أنه يجيز إخراج رز والحديث لم يذكره، وهو تناقض ذاتي)؛ وهذا مثال فقه العودة ١٤٠٠ سنة. على الجانب الآخر، الأضحية ورد أيضا فيها أحاديث نبوية صحيحة بأن يقوم المضحي بنفسه بشراء وذبح وتوزيع أضحيته وأكل ثلثها وإهداء أقارب والتصدق على فقراء. ولكن الآن هناك من يجيز توكيل حتى شخصيات اعتبارية لشراء وذبح (ليس بالضرورة في مكان المضحي) وتوزيع الأضاحي ودبغ واستعمال جلودها دون أن يرى أو يعلم المضحي مصير أضحيته أو يأخذ شيئا منها بل وحتى نقلها خارج المشاعر المقدسة؛ وهذا مثال على تقديم الإسلام ١٤٠٠ سنة لمواجهة مسائل وحل مشكلات تعاني منها الشعوب الإسلامية في هذا العصر وليس شعوباً أخرى في أزمنة ماضية. ما أحوج الأمة الإسلامية إلى فقه الواقع الذي هو ببساطة شديدة (النزوع إلى واقع الناس لتعرف مشكلاتهم التي يعانون منها والبحث عن الأحكام التي تعالج هذه المشكلات في الواقع واستيعابه لهذه الأحكام. وأيضاً معرفة ما يمكن تطبيقه من هذه الأحكام وما لا يمكن نظراً للظروف المحيطة أو عدم الاستطاعة. وبعبارة مختصرة، هو الفهم العميق لمشكلات الناس وتنزيل الحكم الشرعي عليها بقدر استيعاب الواقع لهذا الحكم). إنه فقه يرتبط بالأصل ويتصل بالعصر، فقه التيسير والمستطاع وليس فقه الأمثل والعزائم لأننا في عهد استضعاف وتكوين لا في عهد استخلاف وتمكين. إنه فقه يواجه ويجيب بشكل معاصر عن أسئلة شبابنا وفتياتنا وليس فقط إعطاءهم أجوبة أجدادنا، الذين أبدعوا في زمانهم وأحدثوا ثورة في فقههم. إنه فقه يقنن علاقات المجتمع وسلوك الفرد بدلاً من أن يحجر على المجتمع ويلاحق الأفراد. إنه فقه يأخذ نظرة شمولية للدين (العلم الشرعي) ويتبنى معرفة عصرية للخلق (العلم الكوني). وقدوتنا في ذلك هو أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين قط في الإسلام إلا أخذ أيسرهما وذلك طيلة حياته وبالذات في حجة الوداع.