هذا الكتاب ناقش مسألة إسلامية بنظرة شمولية وبعلم عصري، وعرض حلا لها. إن المحور الرئيسي لهذا الكتاب هو كيف ينظر ويشرح فرد نصوصاً شرعية بنظرة شمولية، ذاتية التناسق، ومتكاملة مع ما خلق الله؟ إذا أخذ أحدنا نظرة شمولية لكل الشريعة الإسلامية وتطبيقاتها في هذا الكون وذاتية التناسق، فشرحه لمسألة ما سيختلف عمن يبتسر نظرة انتقائية وأحادية وظاهرية لنص شرعي ودون مراعاة إلى ما خلق الله ويظن أنه خرج بحكم (شرعي). في النظرة الشمولية يتضح تناسق أحكام الشرع والصورة الكلية لمراد الشارع، وأيضا تناسق الشرع مع الخلق. أما من يبتسر نظرة انتقائية وأحادية وظاهرية لنص شرعي ودون مراعاة أيضا إلى ما خلق الله، فينشغل صاحبه بإظهار عدم التناقض الذي أنتجه فكره، وليس المبني في الشريعة، الإسلامية، وذهابه إلى أقصى حد لتركيب شرح أن الدين صالح لكل زمان ومكان بينما العلة فيما ارتأى والهفوة في حجره على من خالفه من الورى. بقي أن ندرك أن إظهار التناسق في الشريعة نفسها هو مسألة فقهية، بينما إظهار التناسق بين الشرع والخلق هو مسألة تجريبية empirical. هذه النظرة الشمولية، بشكلها الفقهي والتجريبي، هي النقطة المحورية في هذا الكتاب.
قضية تؤكد النقطة المحورية في هذا الكتاب هي استخدام الشريعة الإسلامية لوسائل وأدوات طبيعية لتطبيق تعاليمها؛ ومن هذه الوسائل ركز هذا الكتاب على شرح دور ظواهر (وأدوات) طبيعية في تحديد بدء وإقامة تكاليف شرعية؛ بفرعيها العبادات والمعاملات. مرة أخرى، إن العبادة هي كيفية محددة في توقيت محدد وفي مكان محدد ولأفراد مكلفين. أي أن هناك ثلاثة عناصر: العبادة وهي ثابتة، والدالة على العبادة وهي أيضاً ثابتة، وطريقة تحديد تلك الدالة وهي متغيرة (مثلا، الصلاة والصوم والحج عبادة، والدالة عليها هي مواقع الشمس، وطريقة تحديد مواقع الشمس هو علم مكتسب متغير. مثال آخر، الصوم والحج عبادة، والدالة على بدء الشهر هو مواقع الهلال، وطريقة تحديد مواقع الهلال هو علم مكتسب متغير). ولا أجادل هنا في العبادة والدالة عليها (مثل أن نغير ميقات صلاة الظهر أو ألا نتبع الشهر القمري للصوم أو للحج)، لكنني أجادل أن وسائل تحديد بدء زمن العبادة ليست جزءا من العبادة. إن استخدام ظواهر وأدوات طبيعية وعرفية وبديلة إما أن يأتي عن طريق نص شرعي أو يستنبط قياساً. أما كونها تأتي عن طريق نص شرعي، فليست الظاهرة الطبيعية أو العرفية أو البديلة هي المقصودة شرعا بحد ذاتها كعبادة. وأما كونها قياسا، فالقياس قاعدة فقهية. في كلتا الحالتين، الأمر ما بين نص وقياس وكلاهما ترخيص للمسلمين كي يستخدموا ظواهر (أدوات) طبيعية و/أو عرفية أخرى كي يقيموا التكاليف الشرعية.