للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما النتيجة، إذا، لهذه النظرة الشمولية الجديدة؟ إذا سلمنا أن غرض استخدام الشرع لظواهر طبيعية هو كونها وسائل وليست عبادة، فسوف تتهاوى مشكلات ما فتئ مسلمون يجلبونها على أنفسم وعلى دينهم.

سوف يتوحد توقيت أركان الإسلام (الصوم والحج)، ليس على أساس سيادة الدولة أو سياسة الجماعة أو جنوح الفرد، بل على أساس وحدة المصدر لخلق هذا الكون وقوانينه، وتشريع هذا الدين الإسلامي. سوف تتوحد أيضاً تقاويم وأعياد المسلمين على أساس أن كتاب الله المنظور متناسق بل متاطبق مع كتاب الله المسطور. وسوف تعرف ويعترف بمواقيت ظواهر كونية (كسوف الشمس وخسوف القمر وأوقات تساقط شهب وحتى ارتطام نيازك) وأعياد وأداء العبادات اللازمة لها ومواقيت مناسبات إسلامية مجيدة. لقد أنشأ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه تقويماً للمسلمين مبنياً على شرعهم تميزاً لهم عن غيرهم. بعد حوالي ١٤٠٠ سنة من عدم اليقين يظل هذا التقويم الهجري غير مستخدم إلا من قلة وفي أرجاء أقل منها لأنه لا يخدم مصالحهم الآنية ولا المستقبلية. فالدول (بما في ذلك كل الدول الإسلامية) في ميزانياتها والمؤسسات والشركات في أعمالها المالية وأفراد عديدون لا يستخدمون إلا التقويم الميلادي الغربي (الشمسي) وإن سمي أحياناً بأسماء مختلفة. لقد آن الآوان للمسلمين لكي ينظروا نظرة شمولية لظاهرة الهلال الطبيعية وعلاقة ذلك بحياتهم اليومية والشرعية وعلى مدى طويل وذلك بتأسيس تقويم قمري منهجي، فالدافع موجود والمصلحة ملحة والقاعدة الآن ميسرة، والتعذر غير مقبول. إن الحقيقة، أن التقويم الهجري يحتضر، وعلى المسلمين أن يلوموا أنفسهم فقط لأنهم لم يطوروه.

سوف تتوحد معاملات وأحوال مدنية وحقوقية لشؤون المسلمين اليومية في الإثبات والأدلة. لن تكون هناك ازدواجية أو نفور بين النص الشرعي في الشهادة الشخصية في عملية إثبات أحوال مدنية أو جنائية أو تعريف أشخاص، وبين الوسائل الحديثة والعلمية في التحقيق والإثبات.

وقبل كل ذلك سوف ينشأ شباب مسلم لا يعاني من انفصام في شخصيته (إن لم يكن قد نشأ) محاولاً التوفيق بين دينه واعتزازه به وعلمه وارتباطه به، وبين أساتذة الفقه والتوحيد والتفسير من جهة وأساتذة العلوم والطبيعة والكيمياء والجغرافيا من جهة أخرى.

وأخيرا، لن يكون هناك مجال لاتهام الإسلام بالتخلف وعدم قبول العلوم sciences.

إن الله خالق الأكوان هو نفسه منزل الحكمة والقرآن وهو قطعاً الحق الحكيم الرحمن، وقول الله لا يناقض خلقه ولا خلقه يناقض قوله. وهو نفسه القائل {علم الإنسان ما لم يعلم} [العلق: ٥]. فهل علمنا حقا ما خلق ربنا وعلمنا أيضاً سننه الكونية وتفكرنا في ذلك؟ إن فهم فرد للكون وقوانينه يضفي بأثره، سلباً أو إيجاباً، على فهمه لشرع الله. إن فهم أحدهما لا يتم بسوء فهم الآخر. بل إن من عدم تنزيه الله في صفاته أن يجعل فرد من فهمه، غير العلمي non-scientific، أو العلم الخاطئ pseudo-science للكون وقوانينه أساس مراد الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم في شرعه، وصدق الحق القائل في كتابه المسطور:

<<  <  ج: ص:  >  >>