الصورة الأولى هي التي تقدم ذكرها، والصورة الثانية: القرض بفائدة وانتهى البحث في هذا المقام بترجيح القول القائل بأن له صورتين هما: الربا في القروض، والربا في الديون؛ للأدلة التي أوضحناها. ثم أوضحت الحكمة في تحريم الربا وبينت أن له مضاراً خلقية واقتصادية واجتماعية أفردت كلا منها ببيان خاص.
ثم بعد ذلك بينت الفرق بين الربا والقرض وأوضحت أن الفرق بينهما ناتج من طبيعة كل من العقدين. وأنه لا مبادلة في القرض في الحقيقة وإنما أساس الاتفاق فيه أن يأخذ المقترض مقداراً من المال على أن يثبت في ذمته يؤديه في ميسرته دون النظر إلى البدل وحين تشتغل ذمته يجب عليه مثله أو قيمته. عند تعذر المثل فالمعاوضة فيه وقت العقد متخفية لأن مبناه على الإرفاق والإحسان فهو في الحقيقة أشبه بالتبرع بالمنافع فهو من جنس العارية والمنيحة ولذا أسماه النبي -صلى الله عليه وسلم- منيحة، إلا أنه أقيم تسليم المثل فيه مقام تسليم العين. أما البيع فإن مبناه فيه على المغابنة والمماكسة.
كما بينت الفرق بين الربا والحوالة. ومن ذلك أن الحوالة ليست من جنس البيع وإنما هي من جنس إبقاء الحق. واختلاف الأسامي دليل على اختلاف المعاني في الأصل.
ثم انتقلت إلى الفصل الرابع وهو القرض بفائدة.
فعرفته وعرفت الفائدة وبينت أنها هي الربا في مفهوم القرون السابقة، وأن تسميته بفائدة لا يترتب عليها تحريم ولا تحليل وإنما يترتب على المعاني والحقائق التي في المسميات، ثم بينت دليل تحريم القرض بفائدة من الكتاب والسنة والإجماع وآثار الصحابة، ونظراً إلى أنه قد أثيرت شبهات لتحليل الفائدة فقد ذكرت نحواً من تسع شبهات وناقشتها وبينت بطلانها.
وأوضحت أن الذي حرم الربا لم يترك أمر الناس سدى فإن الله تعالى لم يحرم شيئاً عوضهم عنه بما هو خير وأنفع وشرع لهم ما تدعو حاجتهم إليه ويغنيهم عن اللجوء إلى الحرام وما سد باباً إلا وفتح من الخير أبواباً فحرم الربا؛ لأن ضرره أكبر من نفعه لأن به يأكل القوي الضعيف ويستعبد الغني الفقير فيزداد الغني غنى والفقير فقراً.