وشرع لهم القرض الحسن فيما إذا لم تحضر النفوس الشح؛ لأن به تقوى الروابط ويحصل الأجر والمثوبة وبه تنمو الأموال {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}. وشرع القراض لأن فيه عدالة للطرفين لأن فيه تعاوناً بين المال والعمل بدون محاباة لأحدهما على الآخر. وشرع السلم وأباح البيع بالنسيئة وحث على التجارة والسعي في الأرض، لطلب الرزق وأباح الشركات بأنواعها، ولقد سار السلف الصالح على هذا النهج القويم، والطريق المستقيم، فالمضطر منهم لا يلبث أن يجاب. ومن نزلت به ضائقة بادر إخوانه من المسلمين بإسعافه. قال تعالى:{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: أتي علينا زمان وما يرى أحد منا أنه أحق بالدينار والدرهم من أخيه المسلم وأن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال:"إذا الناس تبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم". فقامت لهم حضارة ومدنية لم تشهد الدنيا لها نظيراً بلغت من الصين شرقاً، إلى الأندلس وشواطئ المحيط الأطلسي غرباً، واستمرت تلك الحضارة وتلك المدنية قروناً طويلة صيرت شئون الحياة الاقتصادية على وجه لم تشهد الدنيا له مثيلاً أصبحت مضرب الأمثال حيث كان التآخي والمحبة والتعاون من أسس الدعامة الكبرى لتلك الحضارة وتحقق وصف الله تعالى لها بأنها خير أمة أخرجت للناس قامت على أساس من الأخلاق الفاضلة والمبادئ السامية فكان الغني أمله إرضاء الفقير بأي صورة كانت من الصور كالتصدق عليه أو إقراضه وكانت نظرتهم إلى المادة على أنها وسيلة تقويهم على الكسب المشروع والعبادة الخالصة لله تعالى، فهل يأتي بعد هذا من يقول: إن الربا ركن من أركان المدنية لا غنى لها عنه، وضرورة من ضرورات الاقتصاد لابد منه حقاً إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
إذا لم يكن للمرء عين صحيحه
فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر
ولقد بين الله تعالى في كتابه العزيز أن الربا سبب للعقوبة وموجب لسخط رب العالمين وعذابه {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ} وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ}.
وعن عمرو بن العاص –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنة وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب".
وعنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله".
وأن واجب المسلمين اليوم أن يتمسكوا بشريعة ربهم ومبادئ دينهم فإن فيها صلاحهم في دنياهم وأخراهم ومعاشهم ومعادهم ذلك أن قواعد المعاملات في الإسلام مبنية على العدالة في أدق صورها وعلى التعاون في أبهى مباهجه وهي الكفيلة بأن تعيد للأمة الإسلامية عزها ومجدها، وأن تنظم حياتهم في عمرانها، وفي صناعتها، وفي زراعتها، وفي أمنها، ورغدها.