وقد قال الشيخ رشيد رضا في "تفسيره": "هذا، وإن تشديد علماء السلف والخلف في منع المتعة يقتضي منع النكاح بنية الطلاق، وإن كان الفقهاء يقولون: إن عقد النكاح يكون صحيحاً إذا نوى الزوج التوقيت ولم يشترطه في صيغة العقد، ولكن كتمانه إياه يعد خداعاً وغشاً، وهو أجدر بالبطلان من العقد الذي يشترط فيه التوقيت الذي يكون بالتراضي بين الزوج والمرأة ووليها، ولا يكون منه من المفسدة إلا العبث بهذه الرابطة العظيمة التي هي أعظم الروابط البشرية وإيثار التنقل في مراتع الشهوات بين الذواقين والذواقات وما يترتب على ذلك من المنكرات، وما لا يشترط فيه ذلك؛ يكون اشتماله على ذلك غشاً وخداعاً تترتب عليه مفاسد أخرى من العداوة والبغضاء، وذهاب الثقة حتى بالصادقين الذين يريدون بالزواج حقيقته، وهو إحصان كل من الزوجين للآخر، وإخلاصه له، وتعاونهما على تأسيس بيت صالح من بيوت الأمة" انتهى.
وفي الختام؛ فإني أوصي كل من وقع في مثل هذا النكاح أن يتقي الله تعالى، ويحذر مثل هذا الزواج، ويقصد في زواجه الدوام والاستمرار، حتى يكون زواجه موافقاً لمقاصد شرع الله في النكاح، ويحذر الغش والخداع والظلم؛ فهل يرضى مثل هذا الزواج لابنته أو أخته أو موليته؟ كلا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
هذا؛ وإني أناشد الله كل طالب علم لا يرى ما أراه في هذا النكاح: أن لا يتعجل في إبداء رأيه؛ لئلا يحصل ما لا تحمد عقباه، وأن يكون موقفه موقف عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – من طلاق الثلاث بكلمة واحدة، حينما أمضاه عليهم، مع أن الأدلة الصريحة الصحيحة تخالف ما ذهب إليه؛ لما رأى من حصول المفسدة بتساهل الناس في الطلاق وتتابعهم عليه. ولا يخفى على طالب العلم أنه ليس كل ما كان مشروعاً في حال يكون مشروعاً في كل حال؛ فهذا حد السرقة أوقفه عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – عام المجاعة، كما أوقف تغريب الزاني البكر دفعاً للمفسدة، وأوقف سهم المؤلفة قلوبهم لعدم الحاجة إلى التأليف؛ لظهور المسلمين وقوتهم، وضعف مخالفيهم، وغير خاف على أحد ما جره، ويجره الزواج بنية الطلاق من المفاسد في هذا العصر، ولعل شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى – لو رأى مثل هذه المفاسد التي حصلت، أو تحصل بالزواج بنية الطلاق؛ لرأى مثل ما رأيت؛ كما هو معلوم من أصوله وتقعيداته التي يبنى عليها كثيراً من الأحكام التي هي شبيهة بهذا – والله أعلم -.
هذا ما ظهر لي في هذه المسألة، فإن كان صواباً؛ فمن الله، والحمد لله على التوفيق، وإن كان غير ذلك؛ فمن نفسي والشيطان، وشرع الله بريء من ذلك، والعصمة لمن عصمه الله تعالى.
اللهم! يا حي! يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! يا رحمن! يا رحيم! يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعال لما يريد! أسألك بعزك الذي لا يرام، وبملكك الذي لا يضام، وبنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، أسألك أن تعلمني ما ينفعني، وتنفعني بما علمتني، وتجعل هذا العمل خالصا لوجهك الكريم، وتنفع به عبادك المسلمين، وأعوذ بك أن أقول عليك أو على رسولك أو على أحد من خلقك ما لا يرضيك؛ إنك سميع قريب مجيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد