للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك عرضنا لأطوار تحريم نكاح المتعة في السنة، إذا عرضنا أحاديث المتعة التي تحكي الترخيص فيها والتحريم، وبعد تمحيصها والنظر في أسانيدها ومعرفة مراتبها من حيث القوة والضعف تبين لنا أنه لم يصح فيها إلا الترخيص فيها قبل غزوة خيبر، ثم تحريمها فيها، ثم الترخيص فيها ثانية في فتح مكة ثم لم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة حتى نادى بتحريمها إلى يوم القيامة، وسد هذا الباب وما سوى ذلك من المواطن التي تحكي الترخيص فيها أو غيره فأحاديثه معلة لم تثبت كما فصلنا الكلام على ذلك في محله، اللهم إلا تحريمها في عام أوطاس فإنه ثابت ولكن مرجعه إلى تحريمها بمكة لأن الغزوتين متقاربتان زمناً، فأوطاس بعد الفتح بيسير، في عام واحد، فلا فرق بين أن ينسب التحريم إلى أيهما. خامساً: أثبتنا من أقوال أهل اللغة، وحملة الشريعة الذين أراد الله تعالى بهم خيرا ففقهم في الدين – أثبتنا أن النكاح المؤقت يطلق عليه شرعا ولغة بأنه نكاح متعة، وأن علة النهي عن نكاح المتعة هي التوقيت الذي يلغي كافة المقاصد الشرعية من القصد بالنكاح.

سادسا: أوضحنا أن هذه المسألة داخلة في قواعد فقهية، وكلها يؤخذ منها منع هذا الزواج وتحريمه، كقاعدة "إذا اجتمع الحلال والحرام غلب جانب الحرام" والقاعدة الحديثية "لا ضرر ولا ضرار" وغيرهما كالأصل في الأبضاع التحريم. سابعاً: بينا انحراف الناس في هذه المسألة إذا ترخصوا في "الزواج بنية الطلاق" على النحو الذي لم يقل به المبيحون، فإن من أباح هذا الزواج أو رخص فيه فإنما رخص فيه لمن كان في سفر وليس معه زوجة تعفه، وخشي على نفسه الفتنة ولكن هؤلاء المترخصين فيها لم يأخذوا بأي قيد من قيودها، وكل الذي فهموه وطبقوه أن هذا النكاح جائز، فترى أحدهم يشد الرحال كلما عنَّ له أن يرحل من أجل المتعة، وهذا لم يقل به أحد من أهل العلم، بل مارسه بعضهم في نفس المدينة التي يسكنها وله زوجة أو زوجتان وإنما الغرض المتعة!!

ثامناً: ناقشنا آراء الذين رخصوا فيها مناقشة علمية توصلنا فيها إلى رد هذه الفتوى، وسد الطريق على أولئك الذين يحملون كلام أهل العلم ما لم يحتمل، ويخرجون في التطبيق بشيء محرم عند أهل العلم جميعاً. يقول العلامة "ابن عثيمين" [فتاوى المرأة لابن عثيمين ص ٤٨ - ٤٩]: "ولأنني سمعت أن بعض الناس اتخذ من هذا القول ذريعة إلى أمر لا يقول به أحد، وهو أنهم يذهبون إلى البلاد للزواج فقط، يذهبون إلى هذه البلاد ليتزوجوا، ثم يبقوا مع هذه الزوجة ما شاء الله التي نوى أن زواجه منها مؤقت ثم يرجع، فهذا أيضاً محظور عظيم، في هذه المسألة فيكون سد الباب فيها أولى لما فيها من الغش والخداع والتغرير، ولأنها تفتح مثل هذا الباب، لأن الناس جهال، وأكثر الناس لا يمنعهم الهوى من تعدي محارم الله" أهـ.

تاسعاً: عرضنا بعض الصور التي تحدث بها الثقات عن الآثار المفزعة التي تمخضت عن القول بحل "الزواج المؤقت" وما نجم عن ذلك من مآسي يندى لها جبين أولي المروءة والحياء، حتى وصل الأمر إلى أن بعض من أسلمن وتزوجن ممن نوى الطلاق وطلقن وامتطين مراكب الضياع هن وأولادهن؛ وصل بهن الأمر إلى الارتداد والخروج عن ملة الإسلام بعد أن اعتنقنه رغبة فيه، وفيما يدعو إليه من مكارم الأخلاق!.

وما ذلك إلا بسبب أولئك المدلسين المخادعين، الذين استحلوا الفروج بكلمة الله تعالى، وما وفوا بمقتضى العقد، ولا أحسنوا الصحبة، ولا عاشروهن بالمعروف، بل ربما جعلوا الدعوة إلى الله وسيلة لإيقاعهن في حبائلهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>