تكلمت بعد ذلك عن بيع الأشياء المستقبلة في القانون وقارنته بالفقه وانتهيت إلى ترجيح رأي الفقه على القانون.
١٤ - وختمت الباب بالكلام عن الغرر الناشئ عن عدم رؤية المحل، وبحثت فيه بيع العين الغائبة، وبينت أن الأحاديث المروية في بيع الغائب لا تصلح حجة في الموضوع، ووضحت رأي المانعين لبيع الغائب، ونقضت أدلتهم. ثم فصلت آراء المجوزين، فتكلمت عن بيع العين الغائبة على الصفة، وبيعها على الرؤية المتقدمة، وبيعها من غير صفة، ولا رؤية متقدمة، ورجحت الرأي القائل بأن من اشترى عينا غائبة على الصفة، أو على الرؤية المتقدمة، فله الخيار إذا لم يجدها على ما رآها عليه، أو على ما وصفت له، أما لو وجدها على صفتها فلا خيار له، ثم قارنت بين الفقه الإسلامي والقانون، وبينت أن أهم ما يختلف فيه القانون عن الفقه هو أن القانون يجوز بيع العين الغائبة من غير رؤية، وما يقوم مقامها على اللزوم، في حين أن الفقهاء مجمعون على فساد هذا البيع لما فيه من الغرر الكثير.
١٥ - وفي الباب الثاني من القسم الثاني بحثت أثر الغرر في غير عقد البيع، فتكلمت عن أثر الغرر في عقود المعاوضات المالية، وبينت أنه يؤثر فيها كلها قياساً على عقد البيع، وأوردت تطبيقات لهذا، فتكلمت عن السلم، والاستصناع، والإجارة، والشركة، وبينت أن السلم عند الحنفية ليس من بيع المعدوم، وإنما هو من بيع ما ليس مملوكا للبائع، ورأيت جواز تأجيل رأس مال السلم، والاستصناع، والإجارة، والشركة، وبينت أن السلم عند الحنفية ليس من بيع المعدوم، وإنما هو من بيع ما ليس مملوكا للبائع، ورأيت جواز تأجيل رأس مال المسلم، ورجحت رأي الجمهور في اشتراط أن يكون المسلم فيه مؤجلا، ورددت رأي الشافعية في جواز السلم الحال، وبينت أن في اشتراط التأجيل تخفيفا للغرر. وفي الكلام عن الاستصناع بينت أنه لا غرر في أصل العقد، وإنما يدخله الغرر كما يدخل عقد البيع، ثم قارنت بين بعض أحكام عند الاستصناع في القانون، وفي الفقه الإسلامي.
١٦ - وفي مبحث الإجارة بينت أن الغرر يؤثر فيها كما يؤثر في البيع، ثم حققت آراء الفقهاء في حكم إجارة الأرض للزراعة، وانتهيت إلى أن إجارة الأرض جائزة سواء أكانت بالنقود أم بنسبة معينة مما يخرج منها، وهي المزارعة، وأن الإجارة الممنوعة هي ما كانت الأجرة فيها ما ينبته جزء معين من الأرض المستأجرة، أو كانت الأجرة فيها نسبة معينة على أن يكون لصاحب الأرض نصيب مستثنى لا يشاركه فيه المستأجر. وحققت آراء الفقهاء أيضا في حكم إجارة الأرض والشجر معا، ورأيت جواز ذلك إذا كان الشجر قليلا، أما إذا كان الشجر كثيراً فالأولى عندى المساقاة على الشجر والمزارعة في الأرض، كما حققت آراءهم في حكم الإجارة التي يكون المستحق فيها عينا، كإجارة الظئر، وإجارة الغنم للبن، ورأيت أن مالا يمكن التعاقد عليه من الأعيان التي ينتفع بها مع بقاء أصلها، بطريق البيع، يحلق بالمنافع وتصح إجارته، وذلك كلبن الظئر، أما ما يمكن بيعه من الأعيان التي ينتفع بها مع بقاء أصلها: كلبن الغنم، وصوفها، فلا يلحق بالمنافع، ولا تجوز إجارته.
ثم تكلمت عن الجعالة، وفصلت مذاهب العلماء فيها، وبينت أن الذين يجوزونها يقولون إنها في القياس غرر؛ لما فيها من جهالة العمل، وجهالة الأجل، وإنما جازت استثناء للحاجة إليها، وقارنت بين الجعالة في الفقه الإسلامي، والوعد بجائزة في القانون.