ثانياً: أما الباب الثاني فقد جعله الباحث للجوانب التطبيقية المتعلقة بموضوع الدراسة؛ حيث تناول فيه الحديث عن المستجدات العلمية التي لها مساس بالنسب، وهي المبتكرات العلمية التي يمكن أن يستفاد منها في إثبات النسب ونفيه، أو التي من شأنها أن تفضي جراء العمل بها إلى الاختلاف أو الإخلال بعلاقة النسب، حيث سعى إلى التعرف على حقيقة تلك المستجدات، ثم أبرز أثرها على النسب إثباتاً ونفياً، أو سلباً وإيجاباً، كما عرض لمفهوم مثبتات النسب الشرعية في ضوء ما استجد من تقينات حديثة تساعد على التحقق من ثبوته أو نفيه، وبين منزلة هذه المستجدات بين أدلة النسب، وأهم النتائج التي يمكن الإشارة إليها بعد دراسة هذه القضايا:
١) البصمة الوراثية بعد ثبوت حقيقتها العلمية تعد دليلاً قاطعاً على تحديد الأبوة، وتعتبر ميزاناً لصحة الأخذ بأدلة إثبات النسب الأخرى، كالفراش أو الشهادة أو الإقرار؛ بحيث إذا تعارض دليل من أدلة إثبات النسب مع نتيجة البصمة القطعية كان هذا دليلاً على عدم صحة ذلك الدليل، فيكون ذلك مانعاً من العمل به.
٢) لا يجوز شرعاً اللجوء إلى البصمة للتأكد من الأنساب المستقرة إذا لم يكن هناك ما يستدعيه؛ لما فيه من التشكيك في أنساب الناس وأعراضهم، ولكونه سبيلاً لإثارة الفتن وإشاعة الفواحش المنهي عنهما شرعاً، كما أنه في المقابل لا مانع من الأخذ بالبصمة وإشاعة العمل بها للتحقق من أنساب المواليد الجدد؛ كتثبيت بصمة الزوج والزوجة في عقد الزواج؛ لأن التيقن من النسب أصبح متاحاً في هذا العصر على خلاف الماضي، كما أن ذلك يتوافق مع ما اشترطه الفقهاء لإثبات النسب، وهو عدم معارضته لقرينة قطعية من الحس أو العقل.
كما توصل إلى أنه لا حاجة إلى إجراء اللعان بين الزوجين بعد التيقن من نسب المولود بواسطة البصمة؛ لأن من شرط إجراء اللعان إمكان أن يكون الولد المراد نفيه من الزوج، أما إذا استحال ذلك انتفى عنه من غير لعان، وهو من نوع النسب الذي ينتفي بنفس النفي ودون الحاجة إلى لعان، ولما في إمضاء اللعان أيضاً من إلجاء أحد الزوجين على الحلف كاذباً.
٣) ومن أهم النتائج المستخلصة من دراسة أثر استخدام البصمة على إثبات النسب أو نفيه، التأكيد على أن حقائق العلوم التجريبية حقائق شرعية، وأنه يتعين اعتبار الحقائق العلمية القاطعة من جملة الأدلة الشرعية حتى لا نقع في إشكالية الاعتقاد بأن الحقائق القطعية تتعارض، وأن ما يقرره الشرع قد يخالف ما يقطع به الحس أو العقل، وذلك لا يكون إلا باعتبار الحقيقة العلمية حقيقة شرعية، ومن ثم يتعامل معها وفق ما يتعامل مع الأدلة الشرعية؛ بحيث يتم تقديم المقطوع منها على المظنون عند التعارض.
٤) إن جميع الصور المعمول بها حاليا للإنجاب بطريق (الأم البديلة) هي صور محرمة شرعاً؛ لعدم اتفاقها مع النصوص والقواعد الشرعية، ولما تنطوي عليه من المفاسد التي تخالف مقاصد الشريعة وأصولها العامة، وعلى هذا جرت الفتوى بين أهل العلم المعاصرين، وجاء النص عليه من بعض المجامع والمجالس الفقهية، لكن يستثنى مما ذكر طريق واحد؛ وهو أن تكون (الأم البديلة) ضرة لصاحبة البويضة، فقد حصل في هذا الطريق خلاف بين الإباحة والتحريم، وبناء على ذلك فإنه لا يجوز لأحد الإقدام على ممارسة أي طريق للإنجاب اتفقوا على منعه، ولا السعي إلى تحصيله. وأن هذا من قبيل التداوي بالمحرم والخبيث الذي نهى الشارع عنه، كما أنه لا يجوز لأحد الإعانة عليه، أو الدلالة إليه؛ لأن هذا من قبيل التعاون على الحرام.
٥) إن كل طريق للإنجاب يستعمل فيه ماء الرجل وبويضة المرأة ورحمها يشترط للحكم بجوازه – كما رجحته – شرطان: