٢ - وفي حديث سعد بن أبي وقاص حيث زاره من مرض ألم به فقال له يا رسول الله ((بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي قال: لا، قلت: بالشطر، قال: لا، قلت: الثلث، قال: الثلث، والثلث كثير تدع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ولن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيّ امرأتك)).
٣ - حديث أبي كبشة الأنماري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة وما ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزاً، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقراً وكلمة نحوها، وأحدثكم حديثا فاحفظوه، قال إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيته فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل. وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيته فوزرهما سواء)).
٤ - وفي الحديث ((إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمله وهو صحيح مقيم)).
ج- وتكلم العلماء في بيان حقيقة النية وحكمها ومنزلتها من العمل وأنه لا ثواب إلا بالنية وأن ذلك شامل للأقوال والأفعال وما ركب منهما.
١ - أما حقيقة النية "فقيل هي الطلب وقيل الجد في الطلب ومنه قول ابن مسعود" من ينو الدنيا تعجزه "أي من يجد في طلبها وقيل القصد للشيء بالقلب وقيل عزيمة القلب وقيل هي من النوى بمعنى البعد فكأن الناوي للشيء يطلب بقصده وعزمه ما لم يصل إليه بجوارحه وحركاته الظاهرة لبعده عنه فجعلت النية وسيلة إلى بلوغه" والله أعلم [طرح التثريب ج٢ ص٧].
والنية شرعا قصد الطاعة والتقرب إلى الله تعالى في إيجاد الفعل، وأما أفعال الترك فلا يتقرب بها إلا إذا قصد تركها فتكون نية الترك فعلا حيث توجه إليه قصد القاصد بالرفض والاجتناب" [الأشباه والنظائر لابن نجيم ص٢٩، القواعد والفوائد الأصولية ص٦٢].
٢ - حكم النية "وأما حكم النية فإن العلماء مجمعون على اشتراط النية في جميع العبادات وخالف بعضهم في العبادة التي تكون وسيلة لا مقصدا كالوضوء [طرح التثريب ج٢ ص١١، وبداية المجتهد ج١ ص٧، والإفصاح ج١ ص١٧٥]. وجميع الأعمال التي تشترط لها النية تترتب على النية صحة وفسادا أما الثواب والعقاب في الآخرة فإن العلماء قاطبة مجمعون على أنه لا ثواب ولا عقاب إلا بالنية يدل على ذلك قوله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء}[البينة: ٥][الأشباه والنظائر لابن نجيم ص١٩]. "وأما الأمور العادية التي يمكن أن تكون في بعض أحوالها عبادية فلا تحصل الإثابة عليها إلا بالنية. إذا نوى بها العبادة كالأكل والشرب إذا نوى بهما التقوى على الطاعة والنوم إذا قصد به ترويح البدن للعبادة والوطء إذا أراد به التعفف عن الفاحشة. "قال عليه الصلاة والسلام" ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)). فيه تحقيق لاشتراط النية والإخلاص في الأعمال. ووجهه تكرار اللفظ في قوله صلى الله عليه وسلم ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) فلو اقتصر على اللفظ الأول لا تقضي صحة النية فلا تعيين فدل على أنه لابد من تعيين العمل بالنية وتحديد نوعه.