وأما الأعمال التي ظاهرها القربة وأن كان موضوع فعلها للعبادة إذا فعلها المكلف عادة لم يترتب على مجرد الفعل وأن كان الفعل صحيحاً حتى يقصد به العبادة" [طرح التثريب ج١ ص١٠ - ١١].
وإذ تقرر وجوب النية في كل عمل فإن العلماء مختلفون هل هي شرط أو ركن والتحقيق أنها شرط لأن الشرط يوجد قبل العبادة ويستمر معها بخلاف الركن فأنه قد يكون في أول العبادة أو وسطها أو آخرها وهذا ما لا يتفق مع النية [طرح التثريب ج٢ ص١١، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص٢١، رحمه الأمة في اختلاف الأئمة ص١٤].
٣ - وأما منزلة النية فإنها عظيمة بل إن مدار العمل صحة وفسادا وقوة وضعفا على النية بل إن النية أصل عظيم من أصول الدين بل هي أصل كل عمل [شرح حديث إنما الأعمال بالنيات لابن تيمية ص١٠] ولهذا جعلها النبي صلى الله عليه وسلم شرطا لصحة العمل وحصر جميع الأعمال الصحيحة أو المقبولة بالنية فقال صلى الله عليه وسلم ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)).
والأعمال تتنوع إلى فعل وقول وحركة وسكون وجلب ودفع وفكر وذكر وعادي وعبادي ولا يميز ذلك إلا النية [إحياء علوم الدين ج٤ ص٣٥٧] وأعظم ذلك الإخلاص الذي هو أصل الدين ومن أجله خلق الله الخلق وأرسل الرسل.
"الحقيقة الثانية" "اعتبار القصد وترتب الأحكام عليه" "أن من عمل عملا ولم ينوه ولم يقصده لعارض كالنوم أو النسيان ونحو ذلك فإن هذا العمل لا يترتب عليه من الآثار والأحكام ما يترتب على من قصد العمل وأراده ولهذا فإنه لا يؤاخذ الناسي والمخطئ إذ أنه لم يقصد ما فعله ولكن ليس هذا على إطلاقه فإنه يفرق بين الخطأ في الأحكام وبين الإتلاف في الأموال والتعدي على الأنفس بقتل أو جرح، فإذا كان الخطأ أو النسيان في شيء من الأحكام التي لا تتضمن إتلافاً واعتداء فإنه معفو عن خطئه ونسيانه. وإنما تبقى عليه الإعادة. إذا كان النسيان حصل بسببه إتلاف مال لأحد لزمه ضمان فإن تعلق حكم الضمان بذات المال أقوى من تعلقه بالنية" [القواعد والأحكام الأصولية للبعلي ص١٥، الأحكام في أصول الأحكام للآمدي ج١ ص١٥٣].
"الحقيقة الثالثة" "الإيمان قول واعتقاد وعمل": الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح فلو حصل القول والعمل وتخلف الاعتقاد لم يكن الإيمان صحيحاً لقوله عليه الصلاة والسلام ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) ومحل النية القلب وعمل القلب الاعتقاد فإذا لم يعتقد القلب الإيمان بالله لم يكن هذا الإيمان صحيحاً ولو نطق بلسانه لقول الله تعالى {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}[المنافقون: ١] ذلك أنهم لم يعتقدوا بقلوبهم ما نطقت به ألسنتهم ولهذا يعد من ذهب إلى أن الإيمان قول باللسان وأن لم يحصل الاعتقاد بالقلب مبتدعا في الدين مخالفا لما دل عليه القرآن والسنة واعتقده سلف هذه الأمة [الملل والنحل ج١ ص١٤٥ - ١٥٤].