للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا تقرر أن النية داخله تحت الاختيار وأن بإمكان العبد توجيه نيته إلى الخير أو الشر بمحض أرادته واختياره فليس في استحضارها مشقة ولا عنت كما يدعي ذلك بعض أرباب السلوك وقد نقل [إحياء علوم الدين ج٤ ص٣٦٢ - ٣٦٤] الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين حكايات عن بعض السلف في تكلفهم النية وموقفهم عن العمل أيام حتى تحضرهم النية لذلك العمل فهذه الحكايات التي ذكرها أن صحت عمن نقلها عنهم فهي مجرد رأي خاص لا يعول عليه ولا يجعل قاعدة من قواعد الدين وهو تكلف [إغاثة اللهفان ج١ ص٣٣٩، تفسير القرطبي ج١٥ ص٢٣١] لم يعرف مثله في استحضار النية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد أصحابه ولم يكن معروفا ولا مشهورا بين السلف ولم يقم به أئمة هذه الأمة وعلماؤها المحققون فلا ينبغي أن يعول عليه ولا يلتفت إليه.

وبعد ذكر هذه الحقائق السبع التي هي خلاصة ما مر في هذا البحث فمن المناسب ختمه بثلاث توصيات ينبغي أن يأخذ بها كل باحث وكاتب.

التوصية الأولى: صحة النسبة والأمانة في النقل: لاشك أن كل باحث وكاتب بحاجة إلى الرجوع إلى كلام من سبقه والاستفادة ممن تقدمه من العلماء على اختلاف طبقاتهم الذين تزخر المكاتب الإسلامية بمفاخرهم ومآثرهم العظيمة وفي ثنايا البحث والتفتيش والتنقيب عن المسائل سيجد الباحث أمامه في المصادر التي يرجع إليها ما يشيع نهمته ويحقق رغبته فعليه حينئذ أن يعترف بالحق لأصحابه وأن ينسب الفضل لأهله قال تعالى في صفات عباده المؤمنين {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} الحشر: ١٠] [القرطبي ج٨ ص٣١ - ٣٢ - ٣٣]. وعلى الباحث أذن أن يلتزم أمورا أهمها:

١ - دقة النقل: على الباحث أن يكون دقيقا فيما ينقله من كلام العلماء السابقين فإذا أراد أن يدلل على ما يقوله ويؤيده بكلام من سبقه فليكن دقيقا متفهما للكلام الذي يريد أن يؤيد به صحة ما يذهب إليه.

٢ - صحة النسبة: وكما ينبغي على الباحث أن يكون دقيقا في نقله فإنه يتعين عليه أن يكن صادقا في نسبة الأقوال والمذاهب إلى أربابها وأن لا يكون متساهلا في ذلك فإن نسبة قول إلى غير قائله كذب وظلم والله سبحانه يقول {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ} [النحل: ١٠٥] فمن تعمد الكذب على أحد العلماء ليصحح قوله ويؤيد مذهبه فله نصيبه من هذه الآية.

٣ - الأمانة في النقل: النقل إما أن يكون باللفظ أو أن يكون بالمعنى. وقد وضع لذلك اصطلاحات وقواعد يسلكها الباحثون في التمييز بين ما نقله باللفظ وبين ما نقله بالمعنى فعلى الباحث أن يكون عارفا بالقواعد والاصطلاحات التي تعينه على الأمانة في النقل.

التوصية الثانية: لزوم الأدب وقصد بيان الحق: أن الباحث في أثناء البحث والتفتيش والتحقيق والموازنة وطلب الدليل سيجد أقوالا وآراء تخالف ما يذهب إليه وربما تكون في نظره مخالفة للدليل أو للقول الصحيح الذي يعلمه وهو لا ضير عليه أن يقول الحق ويبين الصواب ولكن يلزمه في أثناء الرد على القول المخالف:

١ - أن يلزم الأدب وأن يختار الأسلوب المناسب لمقام العلماء وأن يبتعد كل الابتعاد عن بذاءات اللسان وفحش القول وازدراء آراء الآخرين [تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم لابن جماعة الكناني ص٤١].

٢ - أن يحاول بيان الحق بدليله وأن لا يخفى شيئا من أدلة المخالف بل يعرضها بأمانة ونزاهة تامة ثم يرد عليها ردا يهدف فيه إلى قول الحق وبيانه [تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم ص٣٠ و ٤٢، وأخلاق العلماء لأبي بكر الآجري ص٤٠ - ٤١ ط دار الكتاب العربي].

<<  <  ج: ص:  >  >>