للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: أن يكون له من الممارسة والتتبع لمقاصد الشريعة ما يكسبه قوة يفهم منها مراد الشرع من ذلك، وما يناسب أن يكون حكماً له في ذلك المحل وإن لم يصرح به، كما أن من عاشر ملكاً؛ ومارس أحواله، وخبر أموره؛ إذا سئل عن رأيه في القضية الفلانية يغلب على ظنه ما يقوله فيها، وإن لم يصرح له به، ولكن بمعرفته بأخلاقه وما يناسبها من تلك القضية ... ".

وقال الشاطبي: " إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين:

أحدهما: فهم مقاصد الشريعة.

والثاني: التمكن من الاستنباط بناءً على فهمه فيها ... ".

فالشاطبي رحمه الله يعطي المقاصد أهمية كبرى للمجتهد حيث يجعلها شرطاً في الاجتهاد ويجعل هذا الشرط سبباً للشرط الآخر حيث يقول:" وأما الثاني ــ أي التمكن من الاستنباط ــ فهو كالخادم للأول، فإن التمكن من ذلك إنما هو بواسطة معارف محتاج إليها في فهم الشريعة أولاً ومن هنا كان خادماً للأول، وفي استنباط الأحكام ثانياً، لكن لا تظهر ثمرة هذا الفهم إلا في الاستنباط، فلذلك جُعل شرطاً ثانياً، وإنما كان الأول هو السبب في بلوغ هذه المرتبة، لأنه مقصود والثاني وسيلة ".

وقد قرر ابن عاشور احتياج الفقيه إلى مقاصد الشريعة بكلام نفيس يطول ذكره.

وهذه الأهمية التي ذكرها العلماء نابعة من ارتباط المقاصد بالأدلة الشرعية لأن المجتهد لا بدّ أن يكون اجتهاده مبنياً على دليل من الكتاب والسنّة أو الإجماع أو القياس أو قول الصحابي، أو الاستصحاب أو غيره من الأد لة النقلية أو العقلية.

وقد بينا في باب علاقة المقاصد بالأدلة ارتباط المقاصد بالأدلة، وحاجة المجتهد إليها.

ثانياً: الفوائد الخاصة:

١ - أن مقاصد الشريعة في تدوينها وبروزها علماً مستقلاً قد مرت بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: اقترانها بغيرها في كتب التفسير وشروح الأحاديث والكتب الفقهية والأصولية.

المرحلة الثانية: تميزها عن غيرها وذلك بتخصيصها بمباحث مستقلة في الكتب الأصولية.

المرحلة الثالثة: تخصيصها بالتأليف.

٢ - أن للشارع مقاصد في تشريع الأحكام، وأن أفعاله معللة بالحكمة والمصلحة سواء علمنا تلك المقاصد والحكم أم جهلناها، وأن خلاف الأشاعرة والظاهرية في قضية تعليل الأحكام غير صواب ولا عملي، حيث تخلوا عنه لا سيما الأشاعرة عند إثبات العلة في القياس والمناسبة.

وأن الأدلة النقلية والعقلية قد تضافرتا على أن أحكامه تعالى لمقاصد وحكم.

٣ - أن هناك طرقاً للكشف عن المقاصد وهي:

أ - الاستقراء لنصوص الكتاب والسنّة.

ب - معرفة علل الأمر والنهي بمسلك من مسالك العلة المعروفة عند الأصوليين.

ج - مجرد الأمر والنهي فإن الأمر دليل على طلب الفعل وقصده والنهي دليل على عدم قصده.

د- معرفة الألفاظ التي يستفاد منها معرفة قصد الشارع كالتعبير بالإِرادة الشرعية. أو أنه خير ومنفعة ونحو ذلك.

هـ - سكوت الشارع مع قيام المقتضي للفعل وانتفاء المانع دليل على عدم القصد إلى حصول الفعل.

٤ - أن كل ما أدى إلى تأكيد المقاصد الأصلية وتقويتها أو توقفت عليه تلك المقاصد فهو مقصود شرعاً.

٥ - أن الشريعة جاءت بجلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها.

٦ - أن أقسام مقاصد الشريعة باعتبار المصالح التي جاءت بحفظها أربعة:

الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات، والمكملات.

وأن أعظمها الضروريات التي لو فقدت لاختل نظام العالم وفسدت الدنيا وأن أعظم الضروريات حفظ الدين.

٧ - أن الضروريات هي (الدين والنفس، والعقل، والنسل، والمال، والعرض عند بعضهم). وأن كل واحد منها له وسائل في الشريعة تحفظه.

فمن وسائل حفظ الدين: العمل به، والجهاد من أجله، والدعوة إليه والحكم به ورد كل ما يخالفه من الأقوال والأعمال.

<<  <  ج: ص:  >  >>