ومن ثم لو أخذنا بالرأي الراجح الذي يعطي الخيار للطرفين فلن يتمكن المصرف من التهرب من الدور الاقتصادي الحقيقي للمرابحة الجادة، وذلك خشية نكول العميل ومواجهة السوق بصفقة لم تنل ما تستحقه من الدراسة والعناية. إن ربط الغنم بالغرم على هذا النحو فيه من الحوافز ما يشكل المصلحة الحقيقية للمصرف نفسه وللعملاء وللاقتصاد القومي، بل إن هذه المصلحة ستتضاعف أكثر بسبب أن المرابحة الجادة ستنطوي على أعباء ومخاطر، ومن ثم ستفقد الكثير من عوامل التشجيع على ترك وسائل التمويل الأخرى ذات الربحية الاجتماعية العالية. نعم إن الخيار سيزيد من مخاطر نكول العميل، لكن هذه المخاطر لن تنطوي في الغالب على أضرار محققه؛ إذ طالما أن الصفقة أخذت حظها من العناية، وحازت على أجود الأصناف وأقل الأسعار وأفضل الشروط فإن نكول العميل الأصلي لن يحول دون تهافت عشرات العملاء الجدد على شرائها، أما إذا واجه المصرف ظروفا غير عادية يمكن أن تتعرض معها الصفقة للخسارة عند النكول – وهذا أمر طبيعي يجب أخذه في الحسبان – فنوصي باتخاذ كل أو بعض هذه التوصيات:
١ - يجب أن يتحرز المصرف من التعامل في سلع ضيقة الاستعمال أو غير رائجة أو يجهل كافة أبعاد ظروف تسويقها، وأن يتجنب التعامل مع العملاء غير الجادين أو الذين ثبت عنهم عدم الوفاء بالتزاماتهم.
٢ - يجب أن يتسلح المصرف بالإمكانيات المادية للتاجر وبالجهاز الفني الكفء القادر على دراسة جدوى الصفقات والمشروعات وعلى تصريف السلعة عند النكول.
٣ - يمكن للمصرف أن يستفيد من الحيلة الشرعية التي أفتى بها كل من محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وابن قيم الجوزية – والتي أسماها البعض "بيع المخابرة" حيث يشتري السلعة من المورد مع شرط الخيار لمدة أسبوع مثلا، ثم يعرضها على العميل خلال هذه المهلة. فإن قبلها ألزم بها، وإن رفضها أعيدت للمورد. أما في المرابحات الخارجية فيمكن للعميل أو مندوبه معاينة البضاعة وقبولها أو رفضها قبل أن تشحن.
٤ - يجب ألا يكتفي المصرف بالوساطة التجارية التي يكون فيها مأمورا بالشراء وإنما يتحول تدريجيا إلى منتج وتاجر ذي مهام متعددة ومتكاملة، فيمتلك أو يساهم في شركات إنتاجية، ويكون بائعا أصليا لسلع حصل عليها بالسلم أو الاستصناع، ووكيلا ومسوقاً لمنتجات شركات أخرى، عندئذ لن يبيع ما ليس عنده، ولا مجال للمواعدة أو أضرار النكول.
نعم قد لا تسمح القوانين السائدة والإمكانيات المتاحة الآن أن يمارس المصرف كل هذه المهام بحرية، وقد لا تسمح موارده الذاتية الضئيلة بما تتطلبه من استثمارات طويلة الأجل، لكن في مقدوره أن ينشئ – ولو مستقبلا وتدريجيا – شركات متخصصة – مع المصارف الإسلامية الأخرى أو بمساهمة بعض العملاء – لتولي هذه المهام – (كما أن من مصلحته أن يتحول بعض المودعين إلى مساهمين حتى ينمي موارده الذاتية) وذلك من منطلق أن المصارف الإسلامية هي في الأصل مضارب بالعمل أو مستثمر وليست كالمصارف الربوية وسيطا ماليا.
٥ - من الضروري أن تتعاون المصارف الإسلامية في إنشاء شركات تأمين تعاوني وفقا لأحكام الشريعة لمواجهة أخطار بعض الصفقات، وبقية الاستثمارات الأخرى، كما يجب أن تتعاون في تبادل فائض السيولة لديها حتى لا تعاني منه، أو تحجم عن بعض المشروعات لنقص السيولة.