وإذا جاز أن ندلي برأي في مجال الرقابة الشرعية فنوصي بأمرين: يتعلق أولهما ضوابط الأخذ بالسهل من كل مذهب؛ إن المذهب الفقهي الواحد عندما يتجاوز عن قيد معين قد يتمسك في مقابله بقيد آخر يحول دون الأضرار التي يمكن أن تنجم عن هذا التجاوز، وبالتالي لا يمكن الاستمرار في ترقيع الفتاوى والنظرة الجزئية لموضوع الفتوى، وإنما لابد أن يعاد النظر في مجمل الفتاوى الخاصة بالمعاملة الواحدة في نظرة شمولية تركز على مدى انسجام وانضباط تفاعل هذه الجزئيات، وإلا وقعنا في ممارسة عملية غير منضبطة؛ كما هو حال المرابحة الملزمة وبقية فتاويها. أما الأمر الثاني فيذهب إلى الفصل بين الفتاوى والرقابة الشرعية، إذ من المناسب أن يقتصر عمل هيئة الرقابة الشرعية بالمصرف على التأكد من مدى الالتزام بالقواعد الشرعية والفتاوى المعتمدة. أما الإفتاء فيستحسن أن يسند إلى لجنة متخصصة – مزودة بالمعلومات الاقتصادية الكافية – تنبثق عن مجالس البحوث والإفتاء في الدول الإسلامية، ويجب ألا يكافأ أعضاؤها من المصارف، ولا أن يكونوا مساهمين فيها، ولا يجتمعون في ضيافتها. ومعاذ الله أن نقصد بذلك تشكيكا في نزاهة علمائنا الأفاضل – أثابهم الله – ولكننا أردنا الاستفادة من المنهج الإسلامي في التشريع، فقد علمنا أنه كلما كان الفعل المحرم مغلظا اتسعت حوله – خشية الوقوع فيه – دوائر الخطر والكراهة التحريمية والتنزيهية.
وأخيرا فإن تناولنا للمرابحة الملزمة بالنقد العلمي لا يعني تقليلا من شأن المصارف الإسلامية. فهي مازالت في بداية الطريق، وتحتاج إلى فترة طويلة نسبيا كي تتغلب على العقبات والتحديات التي تواجهها، وتتأهل أكثر لتحقيق الآمال الطموحة المعقودة عليها، ومع ذلك فقد حققت نجاحات طيبة؛ إذ يكفيها أن فتحت أبوابا واسعة للخلاص من المعاملات الربوية، وإنما قصدنا التوجيه إلى الأفضل. ولذلك لن نخشى الاتجاه الذي يجد في كل انتقاد لهذه المصارف هدما لها، فقد يكون الآباء من أشد المنتقدين لسلوكيات أبنائهم، ومع ذلك هم أبعد الناس عن تهمة هدمهم، جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.