كل ذلك يؤهل سندات الإجارة لتكون أداة تمويلية إسلامية تقع في موضع متوسط بين الأسهم – وما تتضمنه من مخاطرة – من جهة، وسندات القرض – وما تتضمنه من مرونة وضمان – من جهة أخرى، وذلك دون أن تقع في وهدة الربا الذي حرمه رب العباد.
ومن جهة أخرى، فإن اعتماد سندات الإجارة والأعيان المؤجرة كأداة لتمويل كثير من المشروعات الحكومية، سواء أكانت إنمائية، أم عادية، يضيف عنصرا آخر ينبغي أن يشار إليه. ذلك أن الربط المباشر بين المشروع الحكومي، وبين المدخرين الأفراد، يعتبر بمثابة إعطاء فرصة أخرى لجمهور الناس للتصويت على المشروع الحكومي. فإن نجحت الحكومة في اجتذاب أصحاب المدخرات لتمويل مشروعها، فإن ذلك يعتبر موافقة منهم على المشروع، وإذا لم يُقبل الناس على الاستثمار في المشروع المقترح تمويله، فإن ذلك يدل على عدم قناعتهم بجدواه الاقتصادية، أو بعدم قدرة المشروع على المنافسة مع البدائل الأخرى المتاحة لاستعمال المدخرات.
لماذا لم تستعمل سندات الإجارة والأعيان المؤجرة حتى الآن؟
رغم المزايا الكثيرة التي تتمتع بها سندات الإجارة والأعيان المؤجرة، فإنه لم تقم الحكومات الإسلامية، أو غيرها، باستخدامها كأداة لتعبئة الموارد المالية اللازمة لمشروعاتها التنموية المختلفة، كما لم تقم البنوك الإسلامية باللجوء إليها، سواء في تجهيز السيولة النقدية اللازمة، أم في تمويل الاحتياجات المالية الكبرى، وبخاصة ذات الأجل الطويل. فلماذا لم تمارس الحكومات والبنوك عمليات التمويل عن طريق إصدار سندات إجارة؟
إن الإجابة على هذا السؤال تتضمن نقاطا عديدة نذكر أهمها فيما يلي:
١ - على الرغم من أن عقد الإجارة عقد قديم جدا، فقد ذكر في القرآن الكريم على عهد موسى، صلى الله عليه وسلم، فإن الإفادة من هذا العقد في العمليات التمويلية المنظمة، على مستوى الأسواق المالية، أمر حديث جدا، لدرجة أن دراسته لم تدخل الكتب المدرسية في التمويل إلا في السنوات الأخيرة فقط. وما زالت الإجارة التمويلية في أوائل طريقها، فهي تعتبر من الممارسات النامية في عالم التمويل المعاصر.
٢ - إن عملية تحويل مجموعة من الموجودات إلى سندات Securitization هي أيضا عملية حديثة جداً. ففيما عدا الأسهم وسندات القرض المعروفة منذ زمن طويل في الغرب، والتي هي في الواقع عملية تجميع مدخرات للقيام بمشروع، وليست تحويل موجودات إلى سندات، فإن عملية التحويل إلى سندات Securitization لم يتم تنظيمها رسميا من قبل هيئة تبادل الأوراق المالية في أمريكا SEC إلا في عام ١٩٩٢. لذلك يمكن القول، إن فكرة سندات الإجارة والأعيان المؤجرة، التي تستند إلى قضيتي الاستخدام المنظم للإجارة كوسيلة تمويلية، وتحويل الموجودات إلى سندات، هي مسألة حديثة تقترح للجهات المالية كأداة تمويلية جديدة.
٣ - إن الفكر التمويلي الغربي، الذي يجد أمامه سعة كبيرة في مختلف أنواع سندات القرض الربوي، لا يوجد لديه الدافع القوي، أو الحافز الحاد، لابتكار أفكار تمويلية لا تستند إلى المديونية. ذلك لأن الأدوات المالية المستندة إلى المديونية قابلة للتداول عنده على أساس قيمتها الحالية، عند انتقالها من يد لأخرى.
٤ - إن بعض القوانين الغربية تقيد تحويل الموجودات إلى سندات.