للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالقانون البريطاني مثلاً يمنع إصدار سندات قابلة للتداول، إذا كانت تمثل أصلا ثابتا واحدا. ولعل هذا المنع ما أعاق التفكير في سندات للإجارة وللأعيان المؤجرة، وبخاصة أنه يقل في الدول الرأسمالية الغربية احتياج الحكومة إلى تمويل مشروعات كبيرة بالإجارة، لأسباب متعددة، من أهمها ضخامة دور القطاع الخاص، وقدرته على تبني المشروعات الاستثمارية الكبيرة، ودرجة النمو الاقتصادي التي وصلتها هذه البلدان، وعراقة السوق التمويلية، وقدرتها على تعبئة الموارد المالية بكميات كبيرة، من خلال الأدوات الربوية وغيرها.

ولقد وجدت حاجة في بعض هذه البلدان، كبريطانيا مثلا، إلى تمويل بعض الموجودات الثابتة، عن طريق إصدار سندات، ولكن القيود القانونية اضطرت المنظرين والممارسين الماليين، معا، إلى اللجوء إلى أفكار أخرى، تتجنب إصدار سندات متداولة، تمثل أصلا واحدا. فظهرت في بريطانيا سندات داخل العقارات Property Income Certificates، وهي سندات تمويل مجرد ترتبط بدخل عمارة معينة، ولكنها لا تمثل – بحال من الأحوال – أي حق ملكية في العمارة.

وتعمل هذه السندات من خلال وسيط مالي، وشركة مديرة للعقار. وقد ساعد على التفكير بهذا الأسلوب، كون العقار موزعا إلى وحدات استعمالية صغيرة، على شكل مكاتب تجارية، لابد لها من إدارة مباشرة، تهتم بشؤون عقود الإجارة الكثيرة مع الساكنين، وتتابع شؤون العمارة المتنوعة. في حين أن سندات الأعيان المؤجرة المقترحة في هذه الورقة تمثل عقد إجارة أحد مع مستأجر واحد، ولا تحتاج – بالضرورة – إلى وسيط مالي، ولا إلى شركة مديرة.

٥ - الاعتبارات الضريبية المعقدة، التي تتعلق بالتمويل بالإجارة في الأنظمة الضريبية الغربية. وهذه الاعتبارات هي من أهم أسباب إعاقة استخدام الإجارة في العمليات التمويلية. ولا شك أن تحويل التمويل بالإجارة إلى سندات، في ظل الأنظمة الضريبية السائدة، في معظم الدول الغربية، يضيف تساؤلات ضريبية جديدة، مما يزيد في تعقيد التحليل الضريبي لسندات الإجارة في الغرب.

٦ - تحريم الربا في الشريعة الإسلامية يجعل الحاجة كبيرة – في الفكر الاقتصادي والمالي الإسلامي – إلى التفكير في وسائل تمويلية، ترتبط ارتباطا محوريا بالتداول السلعي. الأمر الذي أدى إلى البحث عن وسائل للتمويل تعتمد على تملك السلع، والمنافع، وعلى انتقال الملكية من يد إلى يد، وربط العملية التمويلية دائماً بحق الملك وبانتقاله.

يضاف إلى ذلك أن حرمة انتقال الدين، من يد إلى يد، بغير قيمته الأسمية – وهذا نفسه من مقتضيات تحريم الربا – دفع المنظرين والممارسين المسلمين، في عالم المال والاقتصاد، إلى التفكير في أدوات مالية، تقوم على تملك الأعيان، والمنافع، والخدمات، حتى يمكن لهذه الأدوات أن تتداول في السوق دون الوقوع في الممنوعات الشرعية.

٧ - إن انشغال المفكرين الاقتصاديين المسلمين المعاصرين بالمضاربة والمرابحة، كأساسين للوسائل التمويلية الإسلامية، لم يترك لهم مجالا كثيرا للتفكير المنظم بالإجارة كوسيلة تمويلية إسلامية. ومن باب أولى، فقد قلل ذلك من النظر في تحويل الإجارة إلى سندات وبخاصة أن بعضهم يراها مفضولة بالمضاربة.

ومع ذلك فقد ذكر بعضهم شهادات الإجارة، وإن لم يعرفها بشكل يقترب من تعريفنا لها، كما لم يتعرض أحد من الكتاب المسلمين إلى أنواع سندات الإجارة والأعيان المؤجرة، وصورها كما تم في هذا البحث. على أن عددا من الكتاب قد تعرض لإمكان استعمال الإجارة في تعبئة الموارد المالية لتمويل بعض أنواع المشروعات الحكومية والخاصة.

آفاق المستقبل متقرحات لأبحاث جديدة:

<<  <  ج: ص:  >  >>