للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هنا يمكن القول بأن المصالح متداخلة فالمحافظة على المصلحة العامة محافظة لمصلحة الأفراد بحيث يستطيع كل من يتمكن من الانتفاع بها أن ينتفع بها وفقا للوجوه المعروفة شرعا.

وكذلك القول في المصلحة الخاصة: بها يتحقق صلاح المجتمع تبعا فحفظ مال اليتيم – مثلا – حتى سن الرشد فيه نفع لليتيم عند رشده إذ يجد ماله كاملا غير منقوص وفيه نفع لغيره سواء كان وارثا أم غير وارث بما يحققه ذلك المال من نفع عام بإقامة مشاريع أو صدقات خاصة أو عامة ولعل هذا هو معنى قوله تعالى {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً} (٥) سورة النساء] فعد أموال اليتيم كأنها أموال من يرعاها.

وكذلك في حفظ النفس فإنها مصلحة خاصة ولكن المحافظة عليها على النظام العالمي.

وإذا نزلت بالأمة نازلة أو طرأت بعض الطوارئ وجب اعتبار مصالح هذه الأمة كلا متكاملا لا كدويلات متفرقة " وطريق المصالح أوسع طريق يسلكه الفقيه في تدبير أمور الأمة عند نوازلها ونوائبها إذا التبست عليه المسالك" كما قال ابن عاشور

وتداخل المصالح يستدعي إيجاد قواعد وخطط تشريعية يلتزمها المجتهد لإعطاء كل ذي حق حقه فلا يظلم أحد. وأساس هذه القواعد هي: الموازنة بين ما يعود على صاحب الحق من نفع مشروع وبين ما يلحق الغير من ضرر لازم أو فساد ممنوع.

وفي هذه الموازنة يتفاوت نظر النظار وتتعارض فيه الخواطر والأفكار لذا أكد الإمام على الفهم السليم والطبع المستقيم.

ولقد استطاع أن يستنبط من استقرائه للشريعة سلما للمصالح يتدرج بحسب آثارها في دنيا الناس فتحدث عن الضروري والحاجي والتحسيني وبنى على ذلك مواقف عملية حتى يتمكن الناس من الموازنة بين المصالح وترتيبها فلا يقعوا أمام طريق مسدود يجعلهم مخيرين بين مصالح الدنيا أو الآخرة.

ولو وضع المسلمون هذا السلم نصب أعينهم قبل اتخاذ بعض القرارات أو تبني بعض المواقف لسملت الأمة – الآن – من كثير مما هي فيه من المشاكل

٢ـ كما أنها تراعي التخفيف والتيسير وترفع الحرج عن الناس باعتبارها شريعة عملية واقعية تسعى إلى أن تكون واقعا حيا في نفوس أتباعها ولا يتم ذلك إلا بسلوك الرفق والتيسير ذلك بأن اليسر من الفطرة والنفوس مجبولة على حب الرفق والنفور من الشدة والإعنات ومن هنا كان الحرج مرفوعا والمشقة منفية وليس المراد بنفي المشقة أن لا مشقة ولا كلفة في شيء من التكاليف الشرعية أصلا بل المراد أن تكون المشقة في حدود طاقة المكلفين.

كما أن الدعوة إلى التيسير ليست على إطلاقها بل المراد أن يكون التيسير بقدر لا يفضي إلى انخرام مقاصد الشريعة وإلا لزم ارتفاع جميع التكاليف أو أكثرها.

٣ـ وتقيم العدل وتدعو إلى أن تكون إقامة العدل عن إدراك وتفهم عميق لأبعاده ومراميه وللمسالك والوسائل المفضية إليه فمن راعى ذلك وفق إلى جني ثماره إذ لا ثمرة تجنى دون تصور سليم وتنفيذ واع حكيم.

كما بينت الشريعة أن عاقبة العدل كريمة وعاقبة الظلم وخيمة ولهذا يرى أن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة

ـ رابع عشر: شرعت الشريعة من الوسائل ما يتلائم مع تحقيق مقاصدها ويحافظ عليها ولولا ذلك لفات الكثير منها ولذا كان اعتناؤها بالوسائل كاعتنائها بالمقاصد إلا أن العناية بالمقاصد أولىواعتبرت الوسائل بمثابة التتمات والتكملات وصارت كل وسيلة تخدم مقصدا مطلوبة التحصيل وكل وسيلة لا تؤدي إلى ذلك مطلوبة الترك مع أنه قد تتعد الوسائل إلى المقصد الواحد فيقدم أقواها تحصيلا للمقصد المتوسل إليه بحيث يحصل كاملا ميسورا يقدم على ما هو دونه في هذا التحصيل.

هذا ما وفقني الله إليه وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى من اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>