المسألة الرابعة: حكم إجارة العين المستأجرة للمؤجر بعد قبضها.
اختلف أهل العلم في حكم هذه المسألة على قولين، الراجح منهما القول بالجواز، وهو قول عند الحنفية، والمذهب عند المالكية والشافعية والحنابلة، وقد استدلوا بأدلة أبرزها:
١ - أن كل عقد جاز مع غير العاقد جاز مع العاقد كالبيع.
٢ - الأصل في المعاملات الحل والإباحة، ولا يوجد مانع شرعي من إجارة المستأجر للعين المؤجرة على مالكها.
٣ - منفعة العين المستأجرة مملوكة للمستأجر ملكاً تاماً بعقد الإجارة المستوفي لشروطه؛ وعليه فيجوز له التصرف في ملكه بنفسه، أو بتأجيره على غيره سواء على مالك العين، أو على غيره.
إلا أنه يجب تقييد القول بالجواز بشرط ألا يكون ذلك حيلة على الربا.
المسألة الخامسة: حكم تأجير المستأجر للعين بأكثر مما استأجرها به.
اختلف أهل العلم في حكم هذه المسألة على أربعة أقوال، الراجح منها القول بجواز أن يؤجر المستأجر العين المؤجرة بمثل ما استأجرها به وزيادة، وهو مروي عن بعض التابعين، وهو المذهب عند المالكية والشافعية والحنابلة، وقد استدلوا لجواز ذلك بجملة أدلة منها:
١ - المستأجر مالك للمنفعة بعقد صحيح؛ فجاز له التصرف في ملكه بنفسه وبغيره، بعوض وبغير عوض، بمثل ما استأجر به وبأقل أو أكثر، ولا يوجد مانع شرعي يمنع من ذلك.
٢ - لأنه عقد يجوز برأس المال، فجاز بنقص وزيادة.
٣ - أما جواز الإجارة فلا شك فيه؛ لأن الزيادة في عقد لا تعتبر فيه المساواة بين البلد والمبدل فلا تمنع صحة العقد.
٤ - المنافع كالأعيان الموجودة حكماً، فتصير مملوكة له بالعقد مسلمة إليه بتسليم الدار فكان بمنزلة من اشترى شيئاً وقبضه ثم باعه وربح فيه، فالربح يطيب له؛ لأنه ربح على ملك حلال له.
- اختلف الفقهاء في حكم إجارة العين الموصوفة في الذمة على قولين، الراجح منهما ما ذهب إليه الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة من القول بجواز إجارة العين الموصوفة في الذمة، وعدوها من باب السلم في المنافع؛ وعليه فإن جواز إجارة منافع الأعيان الموصوفة في الذمة منوط بتوفر شروط السلم فيها كما نص على ذلك الفقهاء، ومن أهم هذه الشروط:
١ - أن تكون العين المؤجرة مما ينضبط بالوصف.
٢ - وصف العين المؤجرة وصفاً مجلياً يدفع الجهالة والغرر.
٣ - تحديد موعد استيفاء العين المؤجرة.
٤ - تعجيل تسليم الأجرة.
إلا أنه ومع اتفاق الجمهور – في الجملة – على اشتراط تعجيل الأجرة في إجارة الأعيان الموصوفة في الذمة إلا أنهم قد اختلفوا في تفصيلات ذلك؛ بناء على خلافهم في تسليم رأس مال السلم في مجلس العقد.
فقد ذهب المالكية إلى جواز تأخير تسليم أجرة العين الموصوفة في الذمة إلى ثلاثة أيام وأن ذلك في حكم التسليم في مجلس العقد، وأما الشافعية فإنهم يشترطون الحلول والتقابض في مجلس العقد، وبمثل رأي الشافعية قال الحنابلة إلا أنهم قصروا اشتراط الحلول والتقابض في تسليم الأجرة في مجلس العقد فيما إذا عقدت الإجارة على منافع الأعيان الموصوفة في الذمة بلفظ السلم، وأما إذا عقدت بلفظ الإجارة فلا يشترط لصحتها تسليم الأجرة في مجلس العقد بل يجوز تأجيلها مطلقاً.
- فصل الباحث أحكام تصرفات المؤجر في العين المؤجرة على أربع مسائل هي:
المسألة الأولى: حكم بيع العين المؤجرة لغير المستأجر.