اختلف الفقهاء في حكم هذه المسألة على ثلاثة أقوال، الراجح منها القول بأن بيع المؤجر للعين المستأجرة لغير المستأجر بيع صحيح، ولا تنفسخ الإجارة به، وليس للمستأجر خيار، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، إلا أنهم قد أثبتوا للمشتري خيار العيب – بين فسخ البيع وإمضائه – فيما إذا لم يعلم بأن العين مؤجرة؛ ليكون مالكاً للعين دون منفعتها حتى انقضاء مدة الإجارة، هذا وقد استدلوا لذلك بأدلة منها:
١ - الإجارة إنما ترد على منفعة العين دون رقبتها، والبيع إنما يرد – في الأصل – على رقبة العين؛ وعليه فلا يمنع كون المنفعة مستحقة بعقد الإجارة من بيع الرقبة لاختلاف مورد العقدين، ولا تعارض. ولا تنفسخ الإجارة ببيع العين المؤجرة كما لا ينفسخ النكاح ببيع الأمة المزوجة.
٢ - وأما الخيار للمشتري فلأن انشغال منفعة العين مدة بملك المستأجر عيب على المبيع، فكانت مثبتاً للخيار.
المسألة الثانية: حكم بيع العين المؤجرة للمستأجر.
اتفق العلماء في المذاهب الأربعة على صحة بيع العين المؤجرة لمستأجرها. وقد عللوا ذلك بتعليلات عدة، منها:
١ - إنما جاز بيع العين على مستأجرها لأن العين في يده ولا حائل دونها فصح بيعها، كما لو باع المغصوب من الغاصب، أو المرهون من المرتهن.
٢ - ولأن المستأجر ملك المنفعة بعقد الإجارة، ثم ملك العين بعقد البيع فصح ذلك، كمن ملك الثمرة بعقد، ثم ملك العين بعقد آخر.
المسألة الثالثة: حكم إجارة العين لغير المستأجر.
صورة ذلك فيما لو أراد المالك أن يؤجر العين المؤجرة مدة أخرى تعقب المدة الأولى على غير المستأجر؛ وعليه فقد اختلف العلماء في حكم هذه المسألة على قولين، الراجح منهما ما ذهب إليه الحنفية والمالكية والحنابلة من صحة العقد الثاني، معللين ذلك بما يأتي:
١ - إن هذه المدة المستقبلة يجوز العقد عليها مع غيرها، فجاز العقد عليها مفردة مع عموم الناس، كالتي تلي العقد مباشرة.
٢ - قياس الإجارة على السلم؛ وذلك لأن إجارة العين على غير المستأجر إنما يشترط فيها القدرة على التسليم عند وجوب التسليم لا حال العقد، فصحت كالسلم، فإن المسلم فيه لا يشترط وجوده، ولا القدرة عليه حال العقد.
المسألة الرابعة: حكم إجارة العين للمستأجر.
إذا أراد المالك إعادة تأجير العين المستأجرة على المستأجر مدة أخرى، فإنه لا يخلو، إما أن تكون مدة الإجارة الثانية تلي الأولى، أو لا:
- فإن كانت المدة الثانية لا تلي المدة الأولى فإنه يجري فيها ما يجري في المسألة الأولى من خلاف.
- وإن كانت مدة الإجارة الثانية تلي مدة العقد الأول فقد اختلف العلماء في حكمها على قولين، يترجح منهما القول بصحة العقد الثاني وجوازه، وهو ما ذهب إليه جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية، والصحيح في مذهب الشافعية، والحنابلة، وقد استدلوا للجواز بأدلة منها:
١ - إن ذلك جائز لاتصال المدتين مع اتحاد المستأجر، فصار كما لو أجره المدتين بعقد واحد.
٢ - كما أن إعادة التأجير تصح مع غير المستأجر، فتصح مع المستأجر من باب أولى، وذلك بناء على أدلة القول الراجح في المسألة السابقة.
خلاصة الحكم في هذه المسائل:
من خلال تتبع كلام الفقهاء في هذا الموضع، وباستصحاب ما سبق بيانه وترجيحه في المسائل الآنفة الذكر فإنه يظهر للباحث أن المستأجر إنما استحق منفعة العين المؤجرة – لا عينها ورقبتها – مدة الإجارة، وعليه فإنه يصح أن يتصرف المؤجر في رقبة العين المستأجرة أو منفعتها، مع المستأجر أو غيره أي تصرف من بيع، أو إجارة، أو هبة، أو وصية، أو رهن، وغيرها، مادامت هذه التصرفات لا تتعارض، أو تمنع المستأجر من استيفاء منفعة العين المعقود عليها مدة الإجارة.
• حكم إجارة المشاع.