للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٥ - وضح أن عقوبة القتل واحدة من أشد العقوبات التي عرفتها البشرية قسوة، وأن هذه العقوبة تارة تكون قصاصا كما في جريمة القتل العمد العدوان، وتارة تكون حدا كما في جريمة الحرابة والزنى من المحصن والردة، وتارة تكون تعزيرا كما في قتل الجاسوس، ومن تكرر منه شر الخمر على الرأي المختار من أقوال الفقهاء، وهي في كل ذلك إنما شرعت لمواجهة جرائم اتسمت بالخطورة البالغة على الفرد والأسرة والمجتمع والأمة بأسرها، مهددة الأمن والاستقرار، وقصد بتشريعها حماية الناس من الفوضى والاضطراب والتمزق، والحفاظ على وحدة الأمة وأمنها.

ولقد أثبتت العقوبة بالقتل – قصاصا وحدا وتعزيرا – فاعليتها في مقاومة الجرائم الخطيرة المستنكرة، والحيلولة دون وقوعها، فإذا علم من يفكر في قتل النفس المعصومة ظلما وعدوانا أن جريمته سوف ترتد عليه وأنه سوف يقتل قصاصا إذا قتل، وأنه سييتم أولاده كما أيتم أولاد المجني عليه وسيرمل زوجه كما أرمل زوج المجني عليه إن هو أقدم على هذه الجريمة فإنه سيحسب ألف حساب قبل أن يقدم عليها، وبذلك تكون الرهبة من القصاص من أكبر وسائل الردع من الجريمة.

ومثله المحصن إذا علم أنه سيرجم إذا ارتكب جريمة الزنى وبذلك يحرم من الحياة في سبيل قضاء لذة زائلة فإنه سيبتعد عن ارتكاب هذه الجريمة خوفا من العقاب الذي ينتظر من ارتكب جريمة الزنى وهكذا بقية الجرائم التي يعاقب عليها بالقتل، هذه العقوبة التي تعتبر سيفا مصلتا ترتعد لهوله فرائص المجرمين. وهذا بدوره يؤدي إلى عدم توقيع العقوبة بالقتل أو الرجم – لعدم وجود من يستحقها – إلا في حالات استثنائية نادرة، لأن الخوف من العقاب يمنع المرء من الإقدام على الجريمة.

٦ - بين الشارع الحكيم الحكمة من تشريع القصاص في جريمة القتل العمد العدوان في عبارة هي غاية الإيجاز والإعجاز: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أي إن في تشريع القصاص ما يقي المجتمع من العدوان على حياة أفراده، فيكون في تشريع هذه العقوبة استمرار الحياة الهادئة المطمئنة لأفراد الأمة، فيكون القصاص بهذا عقوبة عادلة رادعة تنتظر المجرم الذي أزهق نفسا بريئة بغير حق وروع بجريمته أولياء المجني عليه، بل والمجتمع الذي يعيش فيه.

٧ - وضح أن القصاص ليس تشريعا خاصا بهذه الأمة، ولكنه كان مشروعا في الديانات السابقة على بعض الأمم: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} وأن هذه العقوبة ثابتة ومقررة في الشريعة الإسلامية، وقد دل على ثبوتها الكتاب والسنة والإجماع، فهي من شرع الله المحكم الواجب التطبيق في كل جريمة اعتداء عمدي عدواني على النفس البشرية متى توفرت أركانها وشروطها، وانتفت الموانع.

على أن هناك بعض الحالات التي اختلف الفقهاء في وجوب القصاص فيها بناء على اختلافهم في فهم المراد من النصوص الشرعية الواردة فيها، واختلافهم في صحة تلك النصوص أو عدم صحتها، وكونها محكمة أو منسوخة، وقد استعرضت تلك الحالات مبينا آراء الفقهاء وأدلتهم والرأي المختار في كل مسألة بما يغني عن إعادته هنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>