والقصد أن تكون محاكاتنا بوعي وأن يكون اقتباسنا من تجارب الآخرين منوطا بالنظر الشرعي، الذي ينبغي أن تكون له الهيمنة المطلقة في كل شيء. ومن هنا كانت أهمية أن يواكب اليقظة الإسلامية في مجال المصارف يقظة إسلامية شاملة تهتم ببناء الفرد المسلم، وتصحيح مفاهيمه، وتنقيتها مما شابها من الدخن، لتتفاعل من الممارسة الإسلامية في شتى المجالات فلا يحاكمها إلى مقررات سابقة، ولا يزنها بموازين غريبة مما يؤدي إلى الريبة والتأرجح.
ثامنا: أن يهتم القائمون على أمر المصارف الإسلامية بتوعية العاملين في هذا المجال بحقيقة رسالتهم، وبالدور الهام الذي يناط بهم أداؤه، ثم بالخطوات الشرعية اللازمة لصحة المعاملات التي يمارسها المصرف، مع بيان الغاية من كل هذه الخطوات والأدلة الشرعية على لزومها، وذلك حتى لا يحس العاملون في هذا المجال أنهم في تنفيذ هذه الخطوات أمام سلسلة من الإجراءات الإدارية العادية التي لا تفسير لها إلا البيروقراطية، والتعقيدات الشكلية التي تمليها عليهم الإجراءات الرسمية، ونحو ذلك مما قد يحملهم على التجاوز عن بعض هذه الخطوات، أو التقصير في القيام بها، وقد ينعكس ذلك على العملية كلها بالبطلان من الناحية الشرعية.
وإني لأوصي بأن تفتح كافة المصارف الإسلامية مراكز لتدريب العاملين لديها، تقوم على تدريس التصور الإسلامي للعمل المصرفي، وتتولى شرح العقود الشرعية التي يتم ترتيب العمل على أساسها في المصارف الإسلامية، مع بيان صياغاتها المصرفية، والخطوات التنفيذية اللازمة لذلك، ثم يشترط فيمن يريدون الالتحاق بالعمل لدى المصارف الإسلامية أن يكون قد تخرج في هذه المراكز التي تكفل للمتخرجين فيها حد أدنى من المعرفة الإسلامية بهذا المجال، كما أوصي أن تختار هذه المصارف موظفيها ممن عرفوا بالصلاح والتقوى، فهؤلاء هم الضمان الحقيقي لدقة وأمانة التطبيق الإسلامي في هذا المجال.
وأخيرا فإن النجاح الكبير الذي شهدته المصارف الإسلامية منذ اليوم الأول لافتتاحها إنما يحمل أصدق الأدلة على أن رصيد الفطرة من حب الحق والتطلع إليه لا يزال غضا طريا، وأن أمة الإسلام وإن تعاقبت عليها النظم الجائرة، والحكومات المستبدة فإنها ما فتئت تتطلع إلى ساعة الخلاص، وتنشد حياة الطهر في ظل الاعتصام بالكتاب والسنة، والاستقامة على أمر الله عز وجل، وإنها سوف تحفظ الجميل والنعمة لكل نظام يقودها بالإسلام، بل سوف تتحول بأسرها إلى جنود مخلصين بين يديه، بدلا من هذه الفتن المضطرمة الأوار، والقلاقل التي لا يستقر لها قرار!
فيا حكام الأمة الإسلامية هل لكم في عز الدنيا والآخرة؟ هل لكم في أمر تملكون به العرب وتدين لكم به العجم وتكونون به ملوكا في الجنة؟ هل لكم في منهج يهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم؟ إنه الإسلام العظيم إن حفظتموه حفظكم، وإن أضعتموه أضاعكم، إنه كتاب الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إن أقمتموه في أمتكم أقام الله لكم ملككم وأصلح ما بينكم وبين رعيتكم، وفتح عليكم بركات من السماء والأرض، وإن اتخذتموه مهجورا، ولم تعرفوا له حقه، فليس إلا ما ترون من ضنك المعيشة، وخراب الذمم، والفتن التي تموج موج البحر!
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهي فيه عن المنكر، ويقام فيه كتابك، ويتفيأ الناس فيه ظلال شريعتك حتى يعود لأمة الإسلام مجدها الغابر، وعزتها السليبة.