للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٤ - إن سائر الأحكام الفقهية التي رجحتها في هذا البحث انطلاقا من النظر والمصلحة والتي لم تكن موضعا لنص أو إجماع إنما تمثل رؤيتي الخاصة للمصالح وتقديري لها، وبالتالي فهي لا تلزم المشتغلين في هذا المجال إلا بقدر ما تحقق من المصلحة، ولا يزال الأمر فيها قابلا لكل مراجعة فقهية تستهدف المزيد من الملاءمة، وتحقق المزيد من المصلحة.

وأخيرا فإنني أتوجه إلى المشتغلين بقضية المصارف الإسلامية بهذه التوصيات:

أولا: يجب على من ينتصب للمعالجة الإسلامية للأعمال المصرفية أن يبدأ أولا بدراسة الأحكام الشرعية للعقود التي تنظم هذه الأعمال، حتى يمسك بيديه المشاعل المضيئة التي يشق بها طريقه إلى معالجة هذه الأعمال إسلاميا في ضوء ما تقرر عنده من الأحكام والقواعد الشرعية، وذلك حتى يكون المنطلق هو تقويم هذه الأعمال بالإسلام، وليس هو تطوير الأحكام بما يتفق مع هذه الأعمال.

ثانيا: أن تكون الغاية من البحث هي إحقاق الحق وإبطال الباطل وليس توزيع صكوك الشرعية على أكبر قدر ممكن من هذه الأعمال مهما كان فيها من خلل وتجاوز، فلن يضير الإسلام أن يهدم تسعة أعشار هذه النظم ما دام يملك البديل الأقوم والسبيل الأهدى، ولم يترك الناس سدى أو يرهقهم من أمرهم عسرا، فالأصل هو اتباع الحق بالدليل، وليس الاعتذار عن هذا النظام أو ذاك، وتلمس المخارج له من أي وجه تحت ستار المرونة والتوسعية.

ثالثا: أن نفرق في الأحكام الفقهية بين ما كان منها معتمدا على نص أو إجماع، وبين ما كان منها مراده المصلحة والأقيسة، فالأولى حرم مقدس ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم، والثانية موضع نظر واجتهاد يرجح فيها العلماء في كل عصر ما يرونه مناسبا لحاجاته ومصالحه.

رابعا: أنه حيث يكون مرد الخلاف في مسألة ما إلى تعارض ظاهر بين النصوص، فلا تكفي المصلحة وحدها للترجيح، بل لابد من اعتبار الدليل الأقوى وفقا لضوابط الترجيح المقررة في علم الأصول.

خامسا: إن في فقه أهل السنة غناء، ولسنا في حاجة إلى الاعتماد على فقه أهل البدع كالروافض وغيرهم الذي قد يجر معه ذيولا من بدعهم، فضلا عن اختلاف مناهج الاستنباط، وطرق توثيق النصوص وقبولها بينهم وبين أهل السنة، وإذا اضطررنا إلى الاقتباس من أقوالهم في مناسبة ما فتتعين الإشارة والتنبيه حتى لا تختلط الأمور، فقد لاحظت أن بعض الباحثين ينقل عن بعضهم، ويخلط كلامه بكلامهم، بغير تنبيه ولا بيان، ولهذا المسلك خطورته البالغة.

سادسا: إننا في سعينا إلى تحقيق مركز تنافس متقدم للمصارف الإسلامية، لا ينبغي أن يحملنا الاندفاع والعجلة على التفلت والعدوان على حدود الله، فإن رسالة المصارف الإسلامية إلى أهل الأرض تتمثل في المقام الأول في حمل لواء التطبيق الشرعي والممارسة الإسلامية، والعودة بالاقتصاد الإسلامي إلى حظيرة الكتاب والسنة، فلا يجوز أن تحملها العجلة أو الرغبة في كسب جولة من الجولات على التفريط في هذه الرسالة المقدسة.

سابعا: أنه لابد أن يعاد النظر فيما تروج له المصارف الربوية من نظم ومبادئ تقدمها باعتبارها مكاسب ومغانم، لأن بعضه هذه المكاسب المزعومة تعد في ميزان الإسلام إثما وخطيئة، وتصطدم مع كلياته ومبادئه الأساسية، فما لم يتفطن لذلك فقد يحملنا معترك المنافسة على تبني هذه الأفكار، ثم محاولة تطويع الأحكام الشرعية لإقرارها، فنفقد بذلك استقامة المنهج، ووضوح الهدف، ونكون كمن يدور في حلقة مفرغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>