٨ - أنه لا يجوز لمن اشترى شيئا أن يبيعه قبل قبضه وفقا للراجح من أقوال أهل العلم، وأن لهذا المبدأ دوره الهام في ترتيب العمل في المصرف الإسلامي، حيث يلزمه في عمليات المرابحة ونحوها أن يتولى فعلا شراء السلعة بنفسه، وأن يقبضها فعلا وفقا لما فصلناه من أحكام القبض حتى يتمكن من بيعها إلى الآمر بعد ذلك، وبذلك يغلق باب من أخطر أبواب التلاعب والغرر، وهو ما تقوم به البورصات العالمية من المضاربات الوهمية على صفقات وهمية معدومة، فيثرى بها فريق ويتحطم بها آخرون، واليهود من وراء الكواليس يوجهون المسار، ويجنون الثمار!!
٩ - إن المرابحة المصرفية تختلف في جوهرها عن مسألة العينة التي ذهب إلى حرمتها جمهور الفقهاء، ولكن بشرط أن تتم وفقا للخطوات التي سبق بيانها في الفصل الثاني من الباب الرابع من هذا البحث، وموجزها أن يقوم المصرف بشراء السلعة المقصودة فإذا تم له قبضها، قام ببيعها بعد ذلك لعملية الآمر بالشراء الذي يكون له الحق في القبول أو الرد وفقا لما يحقق مصلحته، ولكن انحرافات التطبيق هي التي حادت بهذه المعاملة عن جادة المشروعية، ولكي يؤمن المصرف موقعه يمكن أن يشترط لنفسه الخيار عن شرائه للسلعة، حتى إذا نكل العميل عن الشراء، قام بردها إلى البائع ولم يخسر شيئا.
١٠ - إن النقود الورقية المتداولة اليوم تأخذ أحكام الذهب والفضة في وجوب الزكاة فيها، وفي جريان الربا فيما بينها، بحيث تعتبر عملة كل بلد من البلاد جنسا قائما بذاته، فإن بيعت بعملة من جنسها فقد وجب التماثل والتقابض، وإن بيعت بعملة أخرى لبلد آخر حرم النساء فقط، وحلت الزيادة، كما هي القاعدة في الذهب والفضة، وقد أفتى بذلك جمهور أهل العلم في هذا الزمان.
١١ - إن الوفاء بالوعد واجب في باب الديانة وحسن الخلق، ولا يكون ملزما في باب القضاء إلا إذا أدخله بالوعد في ورطة فإنه حينئذ يجب الوفاء به دفعا للضرر الذي ينبني على عدم الوفاء.
١٢ - لا يجوز الإيداع في المصارف الربوية ولو كان بدون فائدة لما يتضمنه هذا العقد من الإعانة على المعصية، فالمصارف لا تحتفظ من هذه الودائع إلا بنسبة الاحتياطي المقررة، ثم تدفع بالباقي إلى قنوات الإقراض الربوي، وهي لا تقنع بالحجم الحقيقي لهذه الودائع، بل تشتق منها ما يزيد على حجمها أضعافا كثيرة، بواسطة ما يسمى بخلق النقود أو إحداث الائتمان.
١٣ - إن المصرف الإسلامي للتنمية محاولة على مستوى الحكومات الإسلامية لدعم البنيان الاجتماعي والاقتصادي للدول الإسلامية وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، إلا أنه لم يمض في طريق الشريعة إلى النهاية، فرغم أنه قد أعلن التقيد بأحكام الإسلام في المادة الأولى من اتفاقية تأسيسه إلا أن تتبع النظم التي يرتب على أساسها أنشطته الاستثمارية يشير إلى دلائل خطيرة، فالمصرف يقرض الدول الإسلامية بفائدة قدرها ٥ر٢ إلى ٣% سماها رسم خدمة، وهي تسمية لا تغير من الواقع شيئا، وهو يودع أمواله التي لا يحتاجها عاجلا لدى المصارف الأجنبية ويتقاضى عنها الفوائد الربوية، هذا فضلا عن بعض الأخطاء الثانوية في ترتيب بقية الأنشطة الاستثمارية، ولعل مما ساعد على بقاء هذه الانحرافات إلى اليوم رغم مضي حوالي تسع سنوات على افتتاح المصرف عدم وجود هيئة علمية متفرغة تقوم بأعمال الرقابة الشرعية على أنشطة المصرف، كما هو الحال في بقية المصارف الإسلامية.
ولذلك فإننا نوصي بضرورة أن تتوافر لهذا المصرف الدولي لجنة متخصصة تضم كوكبة من علماء الشريعة من مختلف البلاد الإسلامية تقوم بواجب الرقابة الشرعية على أنشطته المختلفة وتقويمها أولا بأول.