ثم عشنا في الباب الخامس مع المصرف الإسلامي للتنمية نعرف به، ونعرض لأنشطته الاستثمارية فنقومها الواحدة تلو الأخرى في ضوء القواعد الشرعية المقررة، ثم تنتهي إلى تقويم إجمالي للمصرف من الناحيتين الشرعية والاقتصادية.
والحقيقة أنني عشت مع هذا البحث أياما ممتعة أرقب فيها عن كثب دقة الأحكام الشرعية، وعظمة ما تتسم به من شمول وخصوبة ومرونة وعدالة، وأستطيع أن أجمل المعالم الرئيسية لهذه الدراسة في النقاط الآتية:
١ - إن إجمال القول في الأعمال المصرفية التي تتم في المصارف الربوية أنها إما خدمة مقابل أجر، وإما إقراض نظير فائدة، وعوائدها إما عمولة وإما فائدة.
والأولى لا بأس بها لأن الإجارة جائزة بالاتفاق على أن يكون الأجر مبلغا مقطوعا لا يتكرر إلا بتكرار الخدمة، حتى لا تخفي العمولة في طياتها مآرب ربوية.
وأما الفائدة فهي صريح الربا الذي نزل القرآن بتحريمه، وقد رأينا تهافت جميع التخريجات التي حاول أصحابها تبرير الفائدة على وجه أو على آخر.
٢ - وإن جماع القول في التطوير الإسلامي للعمل المصرفي أنه يبقي الخدمات المأجورة، ويضع لعمولتها من الضوابط ما ينفي عنها شبهة الربا، ويستعيض عن القروض الربوية بعقود الاستثمار الشرعية التي تقوم على فكرة التجربة والمشاركة، أو القرض الحسن الذي قد يرى المصرف الإسلامي تقديمه في بعض الحالات.
٣ - إن عقد المضاربة الشرعية قادر بشيء من التوسع في أحكامه على الوفاء بحاجات العمل المصرفي، وإن جميع الدفوع التي طعن بها البعض في صلاحية هذا العقد للاستثمار الجماعي في المصارف فيها نظر.
٤ - جواز المضاربة المؤقتة، والمضاربة بالدين إن كان على ملأ، والجميع بين الشركة والمضاربة، وإن المضاربة تلزم بالشروع في العمل إلى خلوص المال في إبانه.
٥ - إن تثبيت العائد في عقد المضاربة يفسدها، لأن الأصل في ربح المضاربة أن يكون على الشيوع بين المضارب وبين رب المال، فإذا أضيف إلى تثبيت العائد الذي يناله رب المال فكرة تضمين المصرف لأموال المضاربة، فقد تحولت المعاملة إلى قرض ربوي في حقيقة الأمر، وإن استعيرت لها أسماء أخرى.
٦ - إنه يمكن للمصرف الإسلامي أن يعتمد على بقية عقود الاستثمار كالمشاركة، والمرابحة، والسلم، في ترتيب أعماله الاستثمارية ولا وجه لاعتراض البعض بأن هذه عقود استثمار مباشر لا شأن لها بالأعمال المصرفية، وذلك لأن مفهوم الأعمال المصرفية لم يتفق عليه عالميا حتى هذه اللحظة، ومن ناحية أخرى فإن هذا التنظيم قد نشأ في ديار الحرب وبلاد الكفر، بعيدا عن الواقع الإسلامي، ومقتضيات المصلحة الإسلامية، فلا وجه للتقيد به.
وإذا كنا نأخذ من كلام الفقهاء الأئمة ونرد عليهم بما يحقق المصلحة ويفي بالحاجة، أفلا نرد على الكفار أفكارا تعوقنا عن تحقيق مصالحنا، والتقيد بأحكام شريعتنا؟ إن على المصرف الإسلامي أن يرسم أهدافه، وأن يصل إليها بأي طريق أقره الله ورسوله، سواء اتفق ذلك الطريق مع نظم الكفار أو اختلف عنها، فنحن المسلمون أعلم الناس بمصالحنا وغاياتنا، وأقدر الناس على تحقيقها من خلال أحكام شريعتنا المباركة، وشاهت وجوه أهل الكفر جميعا!
٧ - جواز السلم الحال كما هو مذهب الشافعي رحمه الله، وجواز الاستعاضة عن دين السلم قبل قبضه من المسلم إليه، شريطة ألا يرابح رب السلم مرتين، أي لا يستعيض عنه بما هو أكثر قيمة منه، كما أثر ذلك عن ابن عباس وغيره من أهل العلم، وأن هذا العمل من جنس الوفاء بالدين وليس من جنس البيع.