أ- هدف مادي، يضمن بقاء الحياة البشرية، ويحافظ على النوع الإنساني. إذ التاريخ البشري قد شهد عواقب وخيمة للأمم التي استهانت بالأخلاق، وانحلت من القيم والفضائل، فما أن استبدلت السيئات بالصالحات، والمنكرات بالحسنات، حتى أذن الله لهم بالهلاك، لما أودع في السيئات قوة الهدم والتدمير، وما تجنيه للمجتمعات من الزوال والاضمحلال، وهذا ما دل عليه قوله تعالى:{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}[الإسراء: ١٦]، ولا يأذن الله تعالى لقوم بالهلاك إلا الذين لم يأخذوا بأسباب النجاة والفلاح، وتنصلوا من مسئولية الرقابة والتوجيه لأفراده، وخاصة الذين يقع منهم التفريط والتقصير، وتجافوا عن الاستقامة والرشاد، فإذا ما انتبهوا لذلك واعتنوا بالإصلاح كتب الله لهم بالبقاء، وأورثهم أرضه بما رحبت، وهذا مقرر في القرآن في قوله تعالى:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}[الأنبياء: ١٠٥] , وقوله تعالى:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}[هود: ١١٧].
ب- هدف معنوي يحرك الهمم والنفوس، ويجذبه نحو التحلي بالأخلاق الفاضلة، والتخلي عن الرذائل، حتى يكون التحلي بهذه، والتخلي عن تلك، سبباً لنيل المعالي والدرجات في الدنيا والآخرة. فخلق (الإنفاق) مثلاً: إضافة إلى تحرير النفس من الشح والبخل، ونشره للألفة بين الناس؛ إذ النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، وكره من أساء إليها، فإنه يجلب رضا الله تعالى وعظيم أجره للشخص المنفق. وخلق (العفو) عن الناس، إضافة إلى نزعه للإحن والأحقاد من النفوس، وزرعه للمحبة والمودة فيها، فإنه يستعطف رضوان الله تعالى، وجزيل ثوابه لمن عفا وتجاوز. وهذا ما قرره قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: ١٣٣، ١٣٤].
٤ - نحا التشريع الإسلامي منحى الاعتدال والتوازن في تلبية حاجات الإنسان وإشباع غرائزه، من أجل أن تتحقق له مصلحتان عظيمتان:
أ- تجدد الحياة واستمرارها، دون تعثر أو توقف، وذلك أن الإنسان إذا لبيت حاجاته المادية، ومطالبه الروحية باتزان، استطاع أن يمضي قدماً في أداء رسالته، والقيام بدوره المنوط به بين الكائنات، وما مثل هذا التوازن في الأهمية والقيمة، إلا كمثل التنفس هو عبارة عن حركة تعادل بين الشهيق والزفير، حيث لو اختل التوازن فيهما، بأن طال الشهيق أكثر مما يجب، فطغى على الزفير: أو امتد الزفير أكثر مما ينبغي، فجار على الشهيق، اختل معه التنفس، فإذا تساويا وتعادلا، بقي التنفس مستمراً في حركته وأدائه، وكذلك الإنسان، تتعطل حياته وتتعثر إذا لم يوازن المرء حاجات جسده وروحه.
ب- الانسجام مع الفطرة والكون، فتوازن المرء في إشباع جسده وروحه، انسجام حقيقي مع الفطرة، وتناسق كبير مع الكون والحياة.
أما انسجامه مع الفطرة؛ فلأن الإنسان السوي يتقبل التوازن في إرواء حاجاته، ولا يستسيغ إطلاق العنان لها، كما لا يستمرئ كبتها وحرمانها.