للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما انسجامه مع الكون كله؛ فلأن مخلوقات الله تعالى التي تسيح في الأرض، أو التي تسبح في الفضاء، تخضع جميعها لنظام التوازن، فمنها ما توازنه مصمم في دورته بين السرعة والبطء، ومنها ما توازنه مركوز في حركته بين الزيادة والنقصان، ومنها ما توازنه مركوز في طبيعته وتكوينه البيولوجي والكيميائي، فكل هذه الكائنات ينسجم معها الإنسان في نظام توازنها، بل إن توازنها لمما يدعوه إلى الاستمساك به، حتى يقدر على القيام بواجباته الفطرية نحو ربه ومجتمعه وما يحيط به من الكائنات.

٥ - نوَّع التشريع الإسلامي الشعائر والشرائع، مراعاة لأمور ثلاثة:

أ- احتواء الحاجات البشرية، فالبشر تتعدد حاجاتهم، وتتنوع مطالبهم، وتختلف رغباتهم، فكان لابد من تنوع الشرائع حتى يسع الحياة كلها، ويلبي حاجات الناس ومطالبهم.

ب- مرعاة الفطرة الإنسانية، فإن الإنسان سرعان ما يتسرب إليه الملل والسآمة من الحياة، إذا كانت على وتيرة واحدة. مثال ذلك: ما وقع للنصارى من ابتداع الرهبانية، وجعلها أسلوباً واحداً للحياة، فقد اتجهوا صوب المعنويات وحدها، واستهانوا بالأمور المادية، إلى درجة أنهم حاولوا الامتناع عن الشعور بها، لكنهم في النهاية سئموا من هذه الحياة الرتيبة، وعجزوا عن الالتزام برهبانيتهم التي ابتدعوها، حتى سجل ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حتى رعايتها}، فقد راح رجال الكنيسة يتنافسون في جمع المادة والمال، وفرضوا على الناس عشر أموالهم، وجابوا الضرائب من كل مكان، وباعوا صكوك الغفران لكل مخطئ.

ج- الرحمة بالإنسان الضعيف، إذ تعتريه نقائص وعيوب، وتميل به الأهواء والشهوات، فتنويع تلك الشرائع نعمة له ورحمة، إذ هي بجملتها تكمله إذا نقص، وتصوبه إذا أخطأ، وترفعه إذا هبط، وترشده إذا ضل سواء السبيل، حتى إنها لتصل به إلى المستوى الذي يؤهله للخلافة في الأرض، ونيل رضوان الله تعالى ومغفرته في الدنيا والآخرة.

٦ - تشريع الرخص في الشريعة الإسلامية، إنما جاء تفادياً لضررين:

أ- الانقطاع عن التكاليف والإعراض عنها، وذلك بأن تمل منها النفوس وتكرهها، إذ العمل الشاق يوقع الضرر على نفسه أو عقله أو ماله بعمل يتحرج به، أمسك عنه، وتجاوزه إلى غيره.

ب- التقصير في بعض الأعمال، وخاصة إذا كثرت وتزاحمت، فالإنسان الموغل في العمل الشاق، ربما قطعه عن غيره، ولاسيما حقوق الغير التي تتعلق به، فيكون عمله الداخل فيه قاطعاً عما كلفه الله به من سائر الأعمال، فيفرط فيها ويقصر، ويصبح ملوماً لا معذوراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>