٧ - انتقى التشريع الإسلامي (الزواج) مما سواه طريقاً أمثل لإشباع غريزة الجنس؛ لانسجامه مع الفطرة، إذ به يسمو الإنسان عن إشباع حاجته بالطرق الدنيئة، ويضمن استقرار نفسه، وسكون قلبه، وقضاء وطره. أضف إلى ذلك أنه نظام كوني، يسير عليه كل شيء في الكون؛ لأن الزوجية – التي جعلها الله تعالى في مخلوقاته – عبارة عن أن يكون شيء متصفاً بالفعل، وآخر متصفاً بالقبول والانفعال، ويكون في أحدهما التأثير وفي الآخر التأثر، وهذا وذلك هو علاقة الزوجية بينهما، وهي أساس تركيب الأشياء في هذا الكون، وعليه يجري نظام الكون، فكل شيء في الكون يرتبط – من حيث المبدأ والأصل – بهذه العلاقة الزوجية، التي يكون أحدهما فاعلاً، والآخر قابلاً ومنفعلاً، ولا ريب أن تختلف هذه العلاقة باختلاف طبقات المخلوقات وتنوعها. فمن المزاوجة ما يوجد بين العناصر والجواهر، ومنها ما يكون بين المركبات غير النامية، وآخر تراه بين الأجسام النامية، ونوع تعهده في أنواع الحيوان، وكل هذه الأنواع من المزاوجة تختلف في نوعيتها وكيفيتها، ومقاصدها الفطرية، ولكنها تتفق في أصل المزاوجة وجوهرها، ولتحقيق مقصود الفطرة الرئيس، لابد أن يكون أحد زوجيه متصفاً بقوة الفعل، والآخر بقوة الانفعال.
٨ - أوجب التشريع الإسلامي تقديم حكم الله مطلقاً لعدة أمور، منها:
أ- حكم الله تعالى مشتمل على الحق والعدل المطلق دون حكم غيره، ذلك أن الله تعالى وصف نفسه بالحق، ووصف كلماته بالصدق والعدل، وكلها صفات تقتضي مطابقة الحق والعدل، كما أن مقتضى عدل الله سبحانه أن يكون بريئاً من العواطف والنزعات، سالماً من التحيز لفئة، منزهاً عن الرغبات والشهوات، فهو سبحانه وتعالى لا يظلم في الحكم أحداً من الناس كائناً من كان؛ لأنه لا يحقق مصلحة فئة دون فئة، ولا يؤثر جنساً على آخر، بل هو رب الجميع وخالقهم ورازقهم وحاكمهم، ومن كان هذا شأنه لا ينحاز في الحكم أبداً، بل حكمه فيهم عدل مطلق.
ب- حكم الله تعالى ذو هيبة ومكانة عالية في النفوس، يجله الأصاغر والأكابر، ويحترمه الرعاة والرعية، وذلك لما ركز في فطرهم أن الله تعالى كامل في ذاته، منزه عن كل نقص وعيب، سواء كان ذلك في نفسه، أو في فعله, أو في قوله, أو شرعه، وما دام الناس يعتقدون ذلك، ويعرفون أن التشريع من عند الله تعالى، وأنه الصيغة النهائية للتكليف الرباني، فإن له في نفوسهم شأناً عظيماً، وإجلالاً كبيراً، يظهر ذلك من شدة حرصهم على تنفيذه حسب ظروفهم وأحوالهم، حتى لو كان أحدهم في مكان بعيد عن أعين الناس لا يطلع عليه أحد؛ لأنه يعلم أنه – وإن اختفى عن الناس- لكنه لا يختفي عن الله تعالى، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
ج- حكم الله تعالى ثابت ومستقر، لا يتغير بتغير الحكام وتبدل الحكومات، فيستوي فيه أن تكون الهيئة الحاكمة محافظة، أو مجددة، ويستوي فيه أن يكون الحكم جمهورياً أو ملكياً، أو أي شكل من أشكال الحكم، فإن ذلك لا يؤثر عليه؛ لأنه لا يرتبط بهيئة الحكم ولا بجهازه، وإنما يرتبط بنظام الحكم ومنهجه.