٩ - التكافل الاجتماعي الذي أقره الإسلام، أنسب حل وأمثل منهج للقضاء على المشكلة الاقتصادية، فهي إما أن تكون ناشئة عن العجز وعدم الطاقة على العمل، وقد يكون العجز جسدياً أو عقلياً، أو تكون ناشئة عن قلة المصادر الطبيعية وندرتها، بحيث لا تكون كافية لإشباع حاجات البشر إشباعاً كافياً، فالتكافل الاجتماعي المقر بنوعيه المادي والأدبي، يلعب دوراً رئيساً في القضاء على هذه المشكلة، حيث يجعل آحاد الناس الأثرياء في كفالة جماعتهم الفقراء، فالقادر المطيق كفيل للعاجز المعدم، والغني الموسر ضامن للفقير المعسر، حتى تظل القوى البشرية متلاقية في جلب المصالح والمنافع، ودفع المفاسد والمضار.
١٠ - أقر التشريع الإسلامي العقوبة لأنها تحمل الناس على امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، فهي التي تجعل الأمر منقاداً ومتبوعاً، والنهي متروكاً ومهجوراً، والفساد مخفياً ومستوراً، إذ المرء مجبول على حب ذاته، حريص على حمايتها من كل أذى ومكروه، والعقوبة تحتوي على أكبر الأذى الذي يحمل المرء على اتقاء أسبابها؛ لأنه يعلم أن صدور ذلك منه سيعود وباله عليه، فكما اكتوى الناس بنار إجرامه وإساءته، سيكتوي هو بنار عقابهم وتأديبهم، ومتى شعر بذلك راجع نفسه كثيراً قبل الإقدام على الجريمة، وحاسبها حساباً شديداً يقيها من وطأة العقاب، بإبعادها عن كل ذريعة تؤدي إليه، ولهذا قيل: إن العقوبات موانع قبل الفعل، وزواجر بعده.
١١ - جدوى العقوبة وكفايتها مدركة بأربعة أمور:
أ- اشتمال العقوبة على الردع والتخويف، وذلك بأن تكون كفيلة لردع كل مجرم عن تكرار الإجرام واعتياده، وتخوف غيره من أن تسول له نفسه سلوك مثله؛ لأن ما يعود عليه من ضرر العقاب، يفوق ما يجنيه من نفع الجريمة.
ب- قدرتها على الإصلاح والتأديب؛ لأن العقوبة لم تقر انتقاماً من المجرم، أو امتهاناً لشخصيته، ولكنها شرعت وأقرت لقدرتها على إصلاح الخلل الكامن في نفسه، وتطهيره مما اقترفته جوارحه من الإثم والعدوان.
ج- تناسبها مع الجريمة حجماً ومقداراً، فقد وضعت العقوبات على قدر الجرائم، ونوعت بحسب تفاوتها في القوة والضعف، وما تحدثه من الضرر والفساد.
د- سريانها على جميع الأشخاص، وذلك بأن تكون العقوبة مطبقة على كل من ارتكب جريمة، دون أن يعفى منها أحد لمركزه أو جاهه، أو أي سبب آخر؛ لأن العقوبة مرتبطة بنوع الإجرام لا بشخصية المجرم.
١٢ - إنما كان التشريع الإسلامي صالحاً لحكم الأجيال كلها لأمرين:
أ- يسر تكاليفه وسهولتها، ذلك أن أحكام الإسلام ومبادئه كلها سهلة يسيرة، لا تخرج عن مكنة الإنسان وطاقته، ولا تستعصي على الامتثال والتطبيق، فالشارع الحكيم عندما سن هذه الأحكام والتكاليف، لم تغب عنه طبيعة الإنسان وطاقته المحدودة، بل وضع هذا الأمر في سلم الاعتبار والاهتمام، ولهذا وجد من التكاليف ما أسقط عن الإنسان لمنافاتها لوسعه، وخروجها عن طاقته، كما وجد منها ما خفف عليه كيلا يكون عليه حرج في أدائه.
ب- تلبيته لضرورات الحياة ومطالبها، ذلك أن الإنسان مهما أوتي من رزانة العلم والمعرفة، وسداد العقل والرأي، لا يمكنه أن يضع نظاماً ومنهجاً شاملاً؛ يلبي كافة حاجاته وضرواته، ويعالج جميع شئونه وقضاياه، وإنما القادر على ذلك هو الله تعالى وحده، الذي أحاط بالإنسان وبكل شيء علماً وخبرة وقدرة، فهو العليم بحاجات الإنسان ومصالحه كلها، ولهذا لما رضي له الإسلام ديناً ومنهجاً للحياة، جعله قادراً على تلبية كل ما تمس إليه حاجته، وتقضي بها مصلحته من الضرورات الخمس، التي هي الدين, والنفس, والعقل, والعرض, والمال.
١٢ - ظروف العصر الحالي تدعو إلى التطبيق العلمي للإسلام، وذلك لأمور ثلاثة: