٣ - وأما المسلمَّة التي جعلت من الخطاب الليبرالي الخليجي منغلقاً غير قادر على الإبداع والتجديد فهي: اعتبار الغرب نموذجاً؛ حيث يسوق القيم الليبرالية من واقع التجربة الغربية والأوروبية بالتركيز على التاريخ بصورته المؤكدة للقيمة التي يريد تأكيدها، فنجده يعمل جاهداً على شرح دور القيمة التاريخية وفاعليتها المستمرة في إحداث النهوض والتقدم في بلاد الغرب وغيرها من البلدان التي تبنت النموذج الليبرالي. ويؤكد أن أسباب تخلُّف العرب يعود إلى غياب منظومة الفكر الغربية بصورتها الليبرالية عن الفكر التقليدي السائد في الخليج.
وفيما يتعلق بأهم القضايا المسيطرة على الخطاب الليبرالي الخليجي هي قضايا الديمقراطية والإصلاح السياسي، والثقافة والدين والتراث، وقضية المرأة والمسألة التعليمية. نجد أن الخطاب الليبرالي الخليجي يفهم تلك القضايا من خلال المسلَّمات والقيم والمبادئ التي تحكم خطابه ورؤيته الفلسفية المؤسسة على الليبرالية من مصدرها الغربي.
وقد توصلت إلى عدد من النتائج كالآتي:
أولاً: أن الخطاب الليبرالي الخليجي يجعل من الليبرالية خطاباً إنسانياً عالمياً، يملك في ذاته القدرة على المواءمة مع أي مجتمع، وليس أمام الإنسان في أي مكان إلا أن يرضخ لهذا النموذج؛ باعتباره متعال عن المكان والزمان وصالح لكل الأمم.
ثانياً: أن الخطاب الليبرالي الخليجي يقوم بوظيفة دعائية تبشيرية للمشروع الليبرالي الغربي؛ فالمقولات والمسلَّمات والقضايا في الخطاب تشكل بريراً فكرياً وعقائدياً لمقولات وسياسات القوى الغربية التي تسعى لجعل المنظور السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي للغرب سقفاً للعالم، عليه أن يسعى ليصل إليه.
ثالثاً: أن الخطاب الليبرالي الخليجي يستبطن في مضمونه النظرة الخطية التصاعدية لمدرسة التحديث التي ترى المجتمعات محكومة بعملية تطوُّرية واحدة؛ تتجه نحو النموذج الغربي.
رابعاً: أن الخطاب الليبرالي الخليجي متناقض مع نفسه في أمور عديدة؛ فهو على سبيل المثال يعلي من قيمة العقل ويركِّز على دوره في عملية النهوض والتقدم، ومع ذلك فإنه يحصر مهام العقل في استيعاب الحضارة الغربية ومنظومتها القيمية فقط! لا السعي في تطوير أو خَلْق قيَم وسبل جديدة للنهوض.
خامساً: أن الخطاب الليبرالي الخليجي يقوم على نقد الواقع وتغيير خصائصه ومقوماته وأسسه؛ بهدف استيعاب النموذج الغربي فقط، دون نظرة علمية تقوم على أسس معرفية واضحة بيّنة لفهم الواقع وقضاياه واحتياجاته وإمكانياته؛ حيث يسقط الخطاب الليبرالي الخليجي قضايا الغرب التاريخية والحالية على المجتمعات الخليجية دون أن يكون لتلك القضايا حضور في الواقع الخليجي (مثل قضية الصراع بين الدين والعلم في أوروبا)، أو إعطاء أولوية لقضايا على حساب قضايا أخرى تُعدُّ أكبر وأهم للمجتمع الخليجي (مثل قضية حقوق المرأة في العمل - مثلاً - على حساب قضية حقوق المجتمع كله).
سادساً: إغفال الخطاب الليبرالي الخليجي للواقع الاجتماعي والأخلاقي المنحط للمجتمعات الغربية؛ فتشابه المدخلات يعني تشابه المخرجات، وبالتالي فإن تطبيق الليبرالية في المجتمعات الخليجية سيؤدي إلى نفس الانحطاط الاجتماعي والأخلاقي للغرب.