سابعاً: يقوم الخطاب الليبرالي الخليجي بنقد التراث والتيارات الدينية ويحكمها بمعاييره؛ لتتحول الليبرالية إلى أداة مقدسة يتم بها الحكم على التراث؛ فيتم تحول الفكر الليبرالي وطريقة طرحه وفهمه للقضايا إلى رؤية مقدسة تحاكم التراث وتنفيه، وتحكم عليه بالتخلف، وتحمله كل مشاكلنا، وتبرئ ما عداه، فالغرب وسياساته - عبر تاريخه الحديث وسعيه للهيمنة واستغلال الشعوب - عملية يتم السكوت عنها؛ بل إن البعض لا يحاول أن يفهم طبيعة الغرب في سعيه لاستغلال الشعوب ويتم تبرير تدخله كسلوك حضاري، وأن مقاومته تخلف! وهذه الرؤية لا تستقيم مع أي منطق.
وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول بأن انطلاق الخطاب الليبرالي الخليجي من خلال مفاهيم ومقاييس المنظور الليبرالي الغربي وتجربته، الذي أنتجته بيئة مغايرة - من حيث الزمان والمكان والمرجعية - جعلت من طرحه طرحاً يحمل رؤية مسبقة معزولة عن طبيعة الواقع وحاجاته، متجاهلاً الخصائص والظروف والإمكانات للواقع الخليجي العربي، ومن ثم فإنه لا يعبر عن واقع دول الخليج العربية؛ بل يعيش في واقع النموذج الأعلى له، وهو النموذج الغربي، كما أن فهمه للواقع الخليجي مرتبط بذلك النموذج؛ ولذلك فهو خطاب معزول عن واقعه ولا يعبر عن قضاياه؛ بل إنه يصادم ذلك الواقع بدلاً من تنميته.
أخيراً، فإن الرؤية الليبرالية كما يطرحها الخطاب الليبرالي في دول الخليج العربية تؤكد على نفي التراث واحتقاره، والدعوة إلى تبني القيم الليبرالية الوافدة، والإعجاب بها، والترويج لها، وهذا ما يسهم بشكل كبير في إعاقة التجدد الداخلي والاستقلال الثقافي، وتشويه النسق الحضاري ومنظومة القيم السائدة في الواقع الخليجي العربي، مع تجاهلها لحقيقة إمكانية النهوض دون الوقوع في براثن التغريب والانسلاخ من القيم، وهو ما أثبتته تجارب النهضة في مجتمعات عريقة؛ كاليابان والصين وكوريا الجنوبية وماليزيا.